يوم الأربعاء قبل الماضى نشرت «الشروق» قصة خبرية مهمة للزميلة منى زيدان فى صفحتها الثانية عنوانها: «تهريب الموبايل وسماعة الأذن أبرز طرق غش الطالبات فى الثانوية».
حينما قرأت القصة شعرت بحزن وغم وهم كبير، على الحالة التى وصلت إليها أخلاق بعض المصريين خصوصا ان ابطالها فتيات!.
المثير والمحزن فى القصة، أن الغش الذى يفترض أنه سلوك مزموم ومرفوض، صار أمرا يتباهى به البعض. فى الماضى حينما كان البعض يلجأ إلى الغش، فإنه يفعله فى السر، ولا يجاهر به أبدا. لكن قصة «الشروق» تقول لنا إن وقائعها مستمدة من جروبات كثيرة لفتيات على الفيسبوك. المنطق يقول إن الفتيات الغشاشات كان يفترض بهن أن يرفعن شعار «إذا بليتم فاستتروا». لكن المحزن أنهن أسسن جروبات للتعريف بأحدث طرف الغش. جروبات علنية لشرح الوسائل المستخدمة فى الغش خلال امتحانات الثانوية.
لكى تعرفوا ما أقصد عليكم أن تدخلوا هذه المجموعات، وسوف تندهشون من المستوى الذى وصلت إليه أخلاق بعض طالباتنا.
بدلا من المذاكرة والاجتهاد والتنافس الشريف فإن الفتيات تسأل: «هل لو الموبايل مغلق، جهاز التفتيش يحس به أم لا أثناء دخولى إلى اللجنة»؟!
وبدلا من قيام الطالبات على الجروب بزجر ونهر السائلة وتوبيخها، وجدنا سيلا من النصائح الإجرامية لكيفية الإفلات من أجهزة التفتيش الموجودة أمام وداخل لجان الامتحانات!!
أكثر من فتاة قدمت النصائح للسائلة، بطريقة توحى بأنهن مجرمات عتيدات فى شبكة سرقة واحتيال، ولسن طالبات ثانوية عامة، يفترض أن يدخلن الجامعة بعد شهور قليلة.
الإجابات أو الاقتراحات او الحلول التى قدمتها الفتيات للسائلة، تكشف عن عقليات إجرامية متمرسة، ولن أعرضها هنا حتى لا أساهم فى نشرها بأكثر مما هى منشورة!!
الأغرب أن بعض الفتيات عرضن علنا على الجروب بيع بعض الوسائل المستخدمة فى الغش. أو للإيجار بأسعار تبدأ من ألف إلى ثلاثة آلاف جنيه فى المادة الواحدة. فى حين أن فتاة عرضت استئجار سماعة صغيرة لاستخدامها بشكل عاجل فى مادة اللغة الإنجليزية!!
تخيلوا حجم الكارثة التى نعيش فيها ولا ندرك خطورتها. لا أقصد فقط هذا الجروب، لأنه موجود بصورة كبيرة وصفحات الغش على وسائل التواصل الاجتماعى لا تعد ولا تحصى، وعرفنا العديد منها خلال السنوات الماضية.
لكن المحزن فى جروب الفتيات أنه لا يتخفى أو يخجل، بل يتحدث ويتعامل علنا، وكأن الغش هو الأصل أما الأمانة والاجتهاد والكد والتعب فهو الاستثناء.
هؤلاء الطلاب سوف يدخلون الجامعة بعد شهور ويتخرجون منها بعد أربع أو خمس سنوات، ليقودوا المجتمع فى سائر المجالات من التجارة والحقوق مرورا بالأمن نهاية بالطب والهندسة.
أى أمل فى المستقبل إذا كان هؤلاء من سيقودونا فى المستقبل، بعد ان نجحوا بالغش، بل ويتباهون به؟!
السؤال المنطقى الذى شغلنى بعد قراءة هذه القصة هو: أين أجهزة الدولة المختلفة ومنظمات المجتمع المدنى من هذه الجريمة النكراء؟!
أليس من حق وزارة التربية والتعليم أن تبادر وتلاحق هذه الصفحات والجروبات وتستصدر أمرا بإغلاقها، باعتبارها خطرا داهما على التربية والتعليم والأخلاق؟!
أليس من حق أجهزة الأمن أن تبادر بحجب وحظر هذه الصفحات، بل والقبض على أصحابها باعتبارهم لا يقلوا خطرا عن تجار المخدرات أو قادة الإرهاب والتطرف وسائر أنواع المجرمين؟!
والسؤال الأخطر: أين هى أسر هؤلاء الطلاب والطالبات، وهل يراقبون أولادهم أم لا؟! وإذا كانوا يفعلون، فلماذا يتركونهم هكذا، وإذا كانوا عنهم غائبين، فهل آن الأوان لمعرفة ماذا يفعل أولادهم بعيدا عنهم؟!. وأين هو دور أجهزة الإعلام ودور العبادة والنقابات والهيئات الثقافية والخيرية، وكل من يهمه أمر مستقبل هذه الأجيال؟!
أرجو أن يفكر الجميع فى خطورة هذه الظاهرة، لأنها لو استمرت ــ لا قدر الله ــ ستنسف وتهدم كل ما نبنيه من جسور وطرق ومنشآت، وما نصلحه من سياسات.
إذا فسدت الأخلاق فسد كل شىء!