أن يختار الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكرى الانتقالى السودانى القاهرة، لتكون أول محطة يتوجه إليها منذ توليه منصبه فى ١٢ إبريل الماضى، عقب إطاحة عمر البشير، فهى إشارة مهمة جدا ينبغى عدم إغفالها، لتأسيس علاقات قوية بين البلدين، شرط أن تستقر الأمور أولا بين المجلس الانتقالى وقوى الحرية والتغيير، ويتوصل الجانبان إلى توافق عام يتيح للسودان أن ينطلق للأمام.
كمصريين نتمنى بالطبع كل الخير للشعب السودانى حتى يضع أقدامه على الطريق الصحيح، وفى عالم السياسة علينا أن نكون حذرين جدا، وأن ننتبه لكل الخطوات المقبلة فى ظل بحر الرمال العميق فى المشهد السياسى السودانى.
نتذكر جميعا الخديعة أو الحيلة التى ادعاها عمر البشير حينما أوهم القاهرة أنه حليف لها عقب لحظات من تنفيذه لانقلابه الشهير فى 30 يونيه 1989، يومها وضع زعيم التيار الإسلامى حسن الترابى فى السجن للإيحاء بأنه مختلف معه، ثم تبين بعد شهور أنهما حليفان، وكل ما حدث كان لتسويق الانقلاب، باعتباره متحالفا مع مصر، التى روجت له وقتها فى دول الخليج والولايات المتحدة.
كانت تلك بداية اكتشاف الخديعة الكبرى، والتى تطورت إلى تورط النظام السودانى فى محاولة اغتيال الرئيس المصرى الأسبق حسنى مبارك فى شوارع العاصمة أديس أبابا فى 26 يونيه عام ١٩٩٥، وقتها تحدثت التقارير عن ضلوع كبار مساعدى الترابى الذين كانوا يتولون رئاسة الأجهزة الأمنية فى التخطيط للعملية، بالتعاون مع جماعات إرهابية مصرية.
فى المحصلة النهائية لنظام عمر البشير، فقد كان ظهيرا لجماعة الإخوان، أو متحالفا معها، وأتاح لكوادرها التغلغل فى معظم المؤسسات والهيئات والمصالح السودانية، هذا التغلغل سوف تدفع ثمنه الدولة السودانية طويلا فى المستقبل، وربما المنطقة بأكملها. وكما يقول المراقبون فإن الإخوان تغلغلوا فى الدولة السودانية العميقة، بل وأقاموا بجانبها دولة موازية.
البشير خذل مصر فى العديد من الملفات المهمة خصوصا سد النهضة، حينما تحالف مع إثيوبيا ضدنا، وأحضر الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلى ميناء سواكن قرب الحدود مع مصر، فى ديسمبر 2017، وقتها وقع البلدان 21 اتفاقا للتعاون، من ضمنها التعاون العسكرى، واتفق على إنشاء مجلس أعلى للتعاون الاستراتيجى.
وبعدها وفى نوفمبر الماضى زار وزير الدفاع التركى خلوصى آكار، «سواكن»، الأمر الذى جدد الحديث عن نية تحويلها إلى قاعدة عسكرية.
وتحالف البشير مع الحكومة القطرية، قبل أن ينقلب عليها لاحقا، لكن الأخطر أنه فتح السودان للعديد من الكوادر والقيادات الإخوانية المصرية، وبعضها ثبت أنه خطط لعمليات عنف وإرهاب انطلاقا من الحدود السودانية، كما عرفنا بالصدفة من حادثة «شقة التفجيرات»، حينما انفجرت قنبلة، فى شقة بعقار سكنى، يقطنه مصريون وسوريون وصوماليون، فى حى اركويت جنوب الخرطوام فى فبراير 2017، وقالت تقارير أمنية إنهم ينتمون لتنظيم «حسم» الإخوانى، وكانوا يعدون لتركيب قنابل ومتفجرات.
كما تحدثت تقارير متعددة عن دور للنظام السودانى فى تعميق الأزمة الليبية عبر السماح بمرور عناصر إرهابية وأسلحة ومعدات إلى الأراضى الليبية.
التوجه العام للمجلس العسكرى الانتقالى، فيما يخص الأمن القومى المصرى، مطمئن إلى حد كبير خصوصا فى الملفات الكبرى حتى هذه اللحظة. لكن مرة أخرى ما ينبغى أن نركز عليه هو المساعدة فى وصول المجلس الانتقالى، وقوى الحرية والتغيير إلى إتقان قوى ودائم، يقوم على أسس صحيحة.
علينا ألا ندخل فى أى تحالفات أو خلافات قد تعطى انبطاعا خاطئا بأننا صرنا طرفا فى الأزمة الراهنة، فى ظل أن الانقسام والشرح لا يزال عميقا بين المجلس الانتقالى وقوى الحرية والتغيير، خصوصا ما يتعلق بتشكيل المجالس الأساسية، ولمن تكون الكلمة الأساسية فى تشكيل مستقبل السودان.. هل للمجلس أم للقوى المدنية، وما هو أفضل طريق للمستقبل، وكيف يمكن الوصول إليه؟!!.
خلال اللقاء مع البرهان قال الرئيس عبدالفتاح السيسى إن «مصر مستعدة لتقديم جميع سبل الدعم للأشقاء فى السودان، لتجاوز هذه المرحلة بما يتوافق مع تطلعات الشعب السودانى بعيدا عن التدخلات الخارجية».
هذه الفقرة هى لب الموضوع، والسؤال كيف يمكننا ترجمة ذلك، ومساعدة السودان على تجاوز هذه المرحلة الصعبة، وما هو السودان الذى نريده جارا عزيزا وشقيقا لنا؟!.