كتبت أكثر من مرة فى هذا المكان منتقدا مهاجم المنتخب القومى لكرة القدم عمرو وردة بسبب سلوكه المشين وتحرشه بالعديد من السيدات على المستوى الدولى. كما انتقدت أيضا الذين تعاطفوا معه، بل وتمكنوا من إلغاء عقوبة الاستبعاد ضده.
ورغم ذلك وإذا أردنا أن نفهم الصورة أفضل، فعلينا ألا نلوم وردة بمفرده، بل المناخ العام محليا وعربيا ودوليا، الذى صار يسمح للمتحرشين والهجامين والبلطجية والفتوات، أن يفعلوا ما يشاءون، طالما أنهم يملكون سلطة نافذة، والأخطر بيئة تبرر لهم ما يفعلونه، رغم أنه نقيض صارخ لكل الأخلاقيات المتعارف عليها.
رأينا منتج هوليوود الكبير أو «وحش هوليوود» هيرفى واينستين، حيث اكتشفنا أن غالبية نجوم السينما الأمريكية، لم يفلتوا من الوقوع فى براثنه. وكانت معادلته واضحة، إما الممارسة الجنسية الإجبارية، أو الطرد من جنة هوليوود!!.
حينما ظهرت حملة «أنا أيضا» أو «Me Too» تجرأت العديد من النجمات والسيدات على فضح واينستين. ثم توسعت الحملة عالميا لكشف كل المتحرشين الذين استغلوا سلطتهم للتحرش بالنساء والواقعين فى محيط سلطتهم.
كان يفترض بهذه الحملة التى صارت دولية أن تمنع أو تحد من التحرش بالنساء، لكن للأسف فإن وجود شخص بصفات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، قد أضعفها تماما، بل ويمكن القول أنه أحد أسباب توفير غطاء لكل من يريد أن يتحرش أو يبلطج أو يستخدم لغة مسيئة ضد السيدات.
لا يكاد يمر أسبوع تقريبا من دون وجود سقطة نسائية لترامب.
ومن الصدف الملفتة للنظر جدا فى الأيام الماضية هى أن صحفية اتهمت ترامب بأنه تحرش بها واعتدى عليها منذ سنوات، هو لم يرد كما يفترض أن يرد شخصا طبيعيا، وفى مثل منصبه، ويقول إنه لا يمكن له ارتكاب هذه الجريمة، وأن لديه زوجة جميلة يحبها، ولا يمكن أن ينظر لغيرها!.
ما فعله ترامب أنه وصف السيدة، التى اتهمته بأنها ليست نوعه المفضل من النساء!!!. والمعنى الذى سيصل لكثيرين أنه كان يمكن له أن يفعل ذلك، إذا كانت من النوع المفضل لديه!!.
منذ صعود ترامب وتوليه رئاسة الولايات المتحدة، فإن سجله النسائى حافل ونشيط جدا، لديه قصة شهيرة وهى أن محاميه مايكل كوهين دفع ١٣٠ ألف دولار رشوة لممثلة الأفلام الإباحية ستورمى دانيالز، مقابل الصمت عن علاقتها بترامب عام ٢٠٠٦ خلال حملته الانتخابية الأخيرة.
وصلت الجرأة بترامب أنه تحدث عن مفاتن بعض أقاربه، ويقال إنه يعاكس ويغازل السيدات فى وجود زوجته.
حينما يكون رئيس أقوى دولة فى العالم بهذا السلوك، ويتمتع بشعبية ضخمة لدى جمهوره الانتخابى من اليمين المتطرف العنصرى، فإن الصورة الذهنية التى ستتكرس عنه لدى جمهوره، هى «صورة الرئيس الدكر» وليست صورة الرئيس المتحرش المسىء لصورة وسمعة الولايات المتحدة.
ترامب كان الأجرأ والذى كسر الكثير من المحرمات والتابلوهات فى هذا المضمار، لكنه لم يكن وحيدا، رأينا نماذج كثيرة لمشاهير وشخصيات عامة تقع فى فخ التحرش.
جورج بايدن نائب الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، والذى ينوى الترشح ضد ترامب، تم اتهامه بالتحرش من قبل سيدة كانت قريبة منه وتعمل معه منذ سنوات، واضطر للاعتذار لها.
عرفنا أيضا أن المغنى الراحل والأشهر عالميا مايكل جاكسون كان يتحرش بالأطفال.
أما عربيا فنرى بصورة دورية، العديد من ظواهر الانفلات السلوكى، والتى تسىء إلى كل ما هو أخلاقى، من دون أن يكون هناك إجراء رادع ضدها، يقول لها «قفى عند حدك» بل هناك اعتقاد أن بعض الحكومات تشجعها لأهداف قصيرة النظر.
فى ظل هذا المناخ المحلى والإقليمى والعالمى، لا يمكن أن نلوم عمرو وردة فقط، بل نلوم البيئة المشجعة والداعمة.
لو أن من سبقوا وردة، تم ردعهم، ما كان يمكن له أن ينفذ فعلته المشينة، من دون أن يرمش له جفن وهو يضمن أنه سيفلت كـ«الشعرة من العجين».