بقلم - عماد الدين حسين
حينما تقوم مجموعة من المواطنين المنفعلين، أو البلطجية المنفلتين باقتحام قسم الطوارئ بمعهد القلب فى إمبابة، وتكسيره بحجة الغضب، فالمؤكد أننا بصدد كارثة اجتماعية وأمنية وأخلاقية، ولا يمكننا توقع أى تحسن فى أحوالنا قبل أن نقوم بإعادة تربية وتوعية وتثقيف هذه النوعية من المواطنين.
فى الثالثة فجر الأحد الماضى دخل شاب، عمره ٣١ عاما إلى غرفة الطوارئ بمستشفى معهد القلب القريب من ميدان الكيت كات، بعد إصابته بجلطة فى القلب. الكشف المبدئى أكد إصابته بانسداد شريانى، ويحتاج لتركيب ثلاث دعامات. المستشفى أخذ تعهدا على شقيقه بسبب حالته المتأخرة، خصوصا أنهم اكتشفوا أنه مدمن، ويعانى من آثار جلطة دماغية فى سن مبكرة، بسبب إدمانه عقار الاستروكس.
الشاب توفى أثناء إجراء العملية، وبعدها مباشرة قام مجموعة من أقاربه باقتحام المستشفى، ودمروا الأجهزة الطبية، فى قسم الطوارئ، ثم اعتدوا على الأطباء والممرضين وأفراد الأمن.
فى هذه العملية الهمجية دمر البلطجية أجهزة تتراوح قيمتها بين ٢٠ ــ ٣٠ مليون جنيه، معظمها حصيلة تبرعات تم جمعها خلال سنوات من فاعلى خير لمعالجة المرضى فى المعهد مجانا.
الدكتورة ليلى إبراهيم شلبى، واحدة من الذين سخروا حياتهم المعهد، حكت لى عن الواقعة وهى تبكى ألما وحسرة، لا تصدق أن بعض المصريين الذين يستقبلهم المعهد للعلاج مجانا يمكن أن يتحولوا إلى هذه الصورة من القسوة والعنف.
أسرة الشاب ــ الذى دخل من دون بطاقة هوية ــ لم تسأل نفسها أنها دخلت المعهد مجانا وتم تركيب الدعامات له من فلوس المتبرعين، طبعا العلاج المجانى يفترض أنه حق للجميع طالما أنهم مشتركون فى خدمة التأمين الصحى. وطبعا من حق أهل أى مريض يتوفى أن يقوموا بشكوى المستشفى أو أى طبيب، إذا شعروا أن هناك إهمالا أو خطأ. المستشفى ينفى حدوث أى إهمال أو خطأ، لكن سأفترض أن ذلك حدث، فهل يحق لأى أقارب متوفى أن يقتحموا أى مستشفى ويتهجموا على الأطباء والمرضى والموظفين؟!.
أعرف قصصا كثيرة عن الدور الكبير الذى يلعبه فاعلوا الخير فى شراء الأجهزة والمستلزمات لمعهد القلب. ونصف الأجهزة الموجودة فى غرفة الطوارئ الحديثة التى بنتها شركة سيمنس من أموال تبرعات المجتمع المدنى.
إحدى السيدات المهاجمات نزعت جهاز المونيتور ورفعته عاليا والقته على الأرض فتدمر تماما، وهو الأمر الذى كرره بقية المهاجمين مع الأجهزة.
شخصيا أعتبر هؤلاء المهاجمين ضحايا الجهل والتخلف وانعدام الوعى. هم لا يدركون أن هذه الأجهزة ملكهم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وأنهم هم الذين سوف يدفعون الثمن. قد يحتاج أحد أقاربهم لعملية عاجلة فى المعهد، وحينما يذهب لن يجد هذه الأجهزة تعمل؟!.
حادثة اقتحام المستشفى وتدمير الأجهزة ليست الأولى. هى تتكرر كثيرا فى العديد من المستشفيات العامة والخاصة. يدخل المريض فلا يجد مكانا فى العناية المركزة فيقتحم أهله المستشفى بالأسلحة الآلية لإرهاب الأطباء. ويدخل مريض آخر، مستشفى فيحين أجله ويموت، فيعيث أقاربه عربدة وبلطجة ويكسرون كل شىء!!!.
من الأسئلة المحيرة، أين هو أمن المستشفى، ومن سمح بدخول هؤلاء المقتحمين علما أن هناك ثمانى أبواب للمعهد، ولماذا لا يتم تخصيص نقطة شرطة لحماية هذه المرفق الحيوى المهم جدا؟!!.
البعض يقول إنه يجب أن يدفع المعتدين ثمن الأجهزة التى تم تدميرها. أغلب الظن أنهم فقراء، والقضية هنا ليست المال، بقدر ما هى الجهل الفاضح الذى يجعلهم لا يدركون أن هذا المعهد ملكهم وملك أولادهم وأحفادهم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
الدكتور محمد أسامة عميد معهد القلب قال إن الواقعة تتكرر فى كل مستشفيات مصر وأصبحت روتينا يوميا، وفوجئنا بجموع كبيرة تحاصر المعهد فجرا.
إذا النقطة الأخطر هى أن بعض المصريين فقد وعيه وإدراكه للدرجة التى تدفعه لتدمير موارده القومية. الأمر يشبه أن نحرق أو ندمر أتوبيسا للنقل العام أو قطارا، أو نخرب طريقا عاما. الذين اقتحموا معهد القلب لا يختلفون كثيرا عن سائق جرار محطة مصر الذى تعاطى الاستروكس وترك الجرار يتحول إلى صاروخ طائر.
أيها السادة: علينا أن نفكر فى كيفية حصار هذه النماذج المأساوية ونجفف منابعهم، لأنهم صاروا الأخطر على مصر!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع