بقلم: عماد الدين حسين
عقب نشر مقالى يوم الأربعاء الماضى بعنوان: «هل نحتاج أطباء جددًا؟!» اتصل بى أحد الأصدقاء المتابعين للملف، ووجه لى عتابًا، لأننى ركزت على عدد الأطباء فقط وفرقت بين أطباء القطاعين العام والخاص.
الصديق كان يتمنى أن أركز على المنظومة بكاملها، أى المستوى العلمى ونوعية المناهج داخل كليات الطب وعدد الأسرَّة فى المستشفيات، خصوصا العناية المركزة ومستوى أجهزة وأقسام الطوارئ ومستوى التدريب والتأهيل للاطباء والممرضين والإدارة.
قلت للصديق إننى كتبت فى مقدمة المقال «إننى سأسلط الضوء تباعا على ما يحدث داخل هذه المنظومة، بحثا عن أرضية مشتركة بين الحكومة والأطباء تمنع محاولات البعض الوقيعة بين الحكومة والأطباء».
أتفق تماما مع الصديق ولا أحد يختلف على ضرورة تطوير المنظومة بالكامل، لكن ربما يكون الخلاف الشكلى حول كيفية الوصول لهذا الهدف، مع مراعاة الواقع على الأرض والإمكانيات والموارد المتاحة، حتى يكون نقاشنا عمليا.
فضلت البداية بأعداد الأطباء فى القطاعين الحكومى والخاص، لأن معظم نقاشاتنا يغيب عنها التوصيف الدقيق للقضايا، ولأن لدينا مستشفيات حكومية كثيرة صارت تعانى من نقص كبير فى الأطباء لأسباب كثيرة، منها تدنى الرواتب ومشاكل أخرى فى نظام التكليف.
يصعب بل يستحيل تصور أن تلغى الحكومة هذه المستشفيات التى تخدم الملايين وبأسعار مدعمة، والسؤال الجوهرى هو كيف يمكن تطويرها كى تقدم الخدمة المرجوة والمأمولة؟!
نحتاج تطوير المنظومة بأكملها، وهو أمر يحتاج لوقت طويل، ولن يحدث بين يوم وليلة، أو لمجرد التمنى، لكن من المهم البدء فى هذا الطريق الطويل.
نعلم تماما أن الحكومة بدأت تطبيق برنامج التأمين الصحى الشامل قبل شهور فى بورسعيد، ونعلم أيضا أنه بسبب قلة الموارد، فإن هذا النظام يحتاج عشر سنوات لكى يغطى محافظات الجمهورية بالكامل.
لدينا تشوهات كثيرة فى المنظومة الصحية، لدرجة تجعل البعض يعتقد أنها غير قابلة للإصلاح، من فرض تعقدها وتراكمها على مدى سنوات طويلة، وربما بسبب هذا الشعور يحلم بعض الخريجين بالهجرة للخارج.
نعلم الظروف الصعبة التى يعمل فيها الجميع، من أول كليات الطب الخاصة التى نشأت من دون وجود كوادر طبية متفرغة من البداية، للدرجة التى دفعت البعض للقول إن هدفها الأساسى فى البداية كان جمع الرسوم الدراسية المرتفعة من طلاب، لم يحصلوا على مجاميع مرتفعة مثل زملائهم الذين التحقوا بالكليات الحكومية عبر مكتب التنسيق!.
الكوادر المتفرغة فى الكليات الخاصة قليلة جدا، فى حين أن عدد أساتذة قصر العينى مقارنة مع الطلاب هو الأعلى ربما على مستوى العالم أجمع، والمفارقة أن عددا كبيرا منهم يتقاضى راتبه وقد لا يذهب إطلاقا للجامعة، وبعضهم يجمع مئات الآلاف من الجنيهات فى عياداته الخاصة ويتفنن فى التهرب من دفع حق المجتمع من الضرائب.
نعلم أيضا المشكلات الكثيرة التى تكتنف نظام تكليف الأطباء الجدد، وجعلت بعضهم يرفضون تسلم وظائفهم حتى الآن، وفى نفس الوقت نقدر وجهة نظر الحكومة التى تقول إنها أنفقت الملايين على تعليم هؤلاء الطلاب وتريد أن يردوا الخدمة للمجتمع.
نعلم أيضا الحال الصعبة التى وصلت إليها المستشفيات الحكومية، والخاصة لأسباب يطول شرحها، وليست مسئولية هذه الحكومة أو هذه الوزيرة، بل لتراكمات طويلة.
نعم أيضا حال العيادات الخاصة، ومعظمها بعيد تماما عن أى رقابة من أول نظافتها إلى أجور الكشف المبالغ فيها جدا وغياب أى رقابة عليها.
نعم هناك كفاءات طبية على أعلى مستوى، ولدينا أيضا مستشفيات متميزة، لكن نحن نتحدث عن الخدمة فى إجمالها، بمعنى أن المريض ينبغى أن يجد خدمة صحية أولية آدمية سواء كان فى أقصى الصعيد أو مطروح أو سيناء أو فى قلب القاهرة، ويفترض أن يسد مشروع التأمين الصحى الشامل غالبية هذه الثغرات.
فيروس كورونا كشف مستوى الخدمات فى النظام الصحى فى كل دولة على حدة، ومنها مصر، وأظهر لنا بعض مواطن القوة، وبعض مظاهر الضعف.
الآن المطلوب منا أن نناقش بهدوء وبعيدا عن المشكلات الراهنة، كيف يمكن لنا أن نغير الثغرات ومواطن الضعف فى المنظومة الطبية، لتصبح أكثر كفاءة؟
وحسنا فعل رئيس الوزراء مصطفى مدبولى حينما اجتمع يوم الخميس مع نقيب الأطباء حسين خيرى، ونأمل أن يكون اللقاء بداية لحل كل المشكلات العالقة، حتى نقطع الطريق على المتربصين.