بقلم: عماد الدين حسين
قبل انتشار فيروس كورونا.. كان الكثيرون يعتقدون أن الرياضة عموما، وكرة القدم خصوصا، هى أهم شىء فى الكون، وأنه يصعب تصور الحياة من دون مشاهدة ليونيل ميسى وكريستيانو رونالدو ومحمد صلاح وديبالا وأجويرو ونيمار وكبار نجوم العالم المعروفين.
ومع انتشار المرض وحظر التجوال الإجبارى والطوعى الذى خضع له غالبية سكان العالم، ومع توقف الأنشطة الرياضية تماما، اكتشفنا أن هناك ضرورات وأولويات تسبق كرة القدم.
الكرة مهمة، لكن الحياة أهم، والصحة هى الأساس، ومن دونها لا يمكن الاستمتاع بأى شىء مهما كانت قيمته.المسابقات وقفت فى معظم دول العالم، واللجنة الأولمبية الدولية أجلت أوليمبياد طوكيو التى كان مقررا لها يوليو المقبل إلى صيف العام المقبل.
بعض المجانين أو المهووسين أو أرباب صناعة الكرة الذين لا يريدون رؤية المأساة التى تعيشها البشرية فى اللحظة الراهنة، يتحدثون بين الحين والآخر عن ضرورة عودة مسابقات كرة القدم فورا وبالحضور الجماهيرى الكامل، غير مدركين لخطورة ما يتفوهون به.
ومن حسن الحظ أن هناك عقلاء كثيرين فى عالم كرة القدم ما يزالون قادرين على رؤية هذه الأولويات وخطورة المرحلة التى تمر بها البشرية.
من بين هؤلاء العاقلين نجم فريق تشيلسى الإنجليزى وليان، الذى قال إنه لا شىء يمكنه أن يشترى الصحة، حتى لو كان كل المال. وإنه حتى لاعبى ليفربول لا يعنيهم الآن لقب البريميرليج.
من بين العاقلين أيضا جيانى إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم «الفيفا» الذى بعث برسالة إلى ٢١١ اتحادا كرويا فى العالم أجمع وأبلغهم بأنه من الخطر الكبير استئناف المسابقات الكروية بصورة مبكرة.
ومن وجهة نظر أى عاقل فإن الأولوية الأولى الآن هى الصحة، ولا توجد مسابقة أو بطولة أو دورى أو مباراة تستحق المخاطرة، من أجل قيامها مقابل حياة إنسان واحد. وعلى الجميع أن يدرك هذه الحقيقة بوضوح تام.
رئيس الفيفا، قال إنه سيعتبر نفسه إنسانا غير مسئول لو وافق على استئناف النشاط من دون التأكد بأن الوضع آمن بنسبة أكثر من ١٠٠٪.
المتلهفون لاستئناف النشاط الرياضى بسرعة فئات كثيرة لكن من بينهم جمهور يريد أن يتسلى بالمسابقات وهو محاصر فى بيته، وهؤلاء معذورون. ومعهم أهم أعمدة صناعة كرة القدم، خاصة اللوبيات الكبرى التى خسرت اقتصاديا من جراء توقف النشاط، شأنهم شأن عشرات القطاعات الاقتصادية المهمة مثل السياحة والطيران والترفيه والمطاعم والسينما والمسرح ودور النشر والعمالة غير المنتظمة.
الفيفا يفترض أنه بصدد إجراء دراسة شاملة لتقييم التأثير المالى لتوقف المسابقات، حتى يمكنه الاستجابة الصحيحة لهذا الموقف غير المسبوق.
قبل أيام قليلة كان هناك تقرير مهم فى صحيفة الديلى ميل البريطانية خلاصته أن الأزمة لم تعد قاصرة على استئناف النشاط الرياضى فقط، بل لها عواقب على المدى الطويل، والتقدير المبدئى أن الجمهور لن يكون قادرا على حضور المباريات حتى لو تم استئنافها قريبا لمدة تتراوح ما بين عام إلى عام ونصف العام، حتى يتم التوصل إلى لقاح فعال لمحاربة كورونا.
هذا التقدير المتشائم تسنده دراسات وتحذيرات متعددة منها ما قاله زاك بينى أستاذ علم الأوبئة بجامعة ايمورى فى اتلانتا، بأن السماح بعودة آلاف الجماهير إلى ملاعب كرة القدم بصورتها القديمة قبل كورونا سوف ينطوى على خطر بالغ لا يمكن تخيله. ففى علم الأوبئة كما يقول، فإن كل فرد يتم إضافته إلى تجمع، يمكن أن يمثل خطرا مضاعفا. وإذا وجد أشخاص قليلون مصابون بالفيروس وسط ٥٠ أو ٦٠ ألف شخص فى المدرجات، فإن المخاطر ستكون كبيرة جدا. وبالتالى فلا يمكن إقامة مباريات بحضور جماهيرى كامل وحاشد، من دون وجود لقاح للفيروس.
فى مصر غابت الجماهير كثيرا عن المدرجات لأسباب تتعلق بالنظام والانضباط وخلط الكرة بالسياسة. لكن حرمان الأندية الأوروبية من الجماهير سيقود إلى إفلاس العديد من الأندية التى تعتمد بالأساس على عائدات بيع التذاكر للجماهير.
والسؤال: هل نضحى ببعض الأندية أو حتى بالكرة بأكملها، أم نضحى بالناس والمتفرجين، وهو ما سيؤدى أيضا إلى دمار اللعبة أم أن هناك طريقا ثالثا يمكنه التوفيق بين حياة الناس واستئناف المسابقات الرياضية؟!!.