بقلم: عماد الدين حسين
سؤال يكرره كثيرون: هل أداء الحكومة والدولة خصوصا فى الجانب الاقتصادى كان جيدا أم سيئا أم «بين بين» منذ انتشار فيروس كورونا؟!.
تقديرى أن الأداء معقول إلى حد كبير، إذا قورن بأداء الحكومة فى قضايا كثيرة سابقة، أو بالموارد المتاحة، وحجم الوعى العام المنخفض فى المجتمع.
كثيرون من المعارضين للحكومة وللنظام فوجئوا بسرعة استجابة الحكومة إلى حد كبير فى بدايات انتشار الفيروس.
وللموضوعية فإن الأداء الأكثر فعالية جاء من البنك المركزى ومحافظه طارق عامر، خصوصا القرار الجرىء بتخفيض سعر الفائدة بنسبة ٣٪ مرة واحدة، وهو أمر غير مسبوق، ثم مجموعة متلاحقة من القرارات كان آخرها صباح أمس الثلاثاء، بمنح المنشآت السياحية قروضا لعامين، وفترة سماح 6 أشهر لسداد مرتبات العاملين والتزاماتها تجاه الموردين وأعمال الصيانة.
البنك المركزى قرر أيضا دعم البورصة المصرية بـ ٢٠ مليار جنيه، هذا القرار جاءت نتائجه فورية، وارتفعت البورصة لنحو ٥٪ ليومين متتاليين، لتعوض خسائر قياسية متوالية فى الأسبوع الماضى، وهو الهبوط الذى طال معظم البورصات العربية والعالمية.
خفض سعر الفائدة سيفيد القطاعات الإنتاجية كلها، لكنه قد يضر بعض المواطنين الذين يعيشون على سعر الفائدة المرتفع على ودائعهم خصوصا أصحاب المعاشات.
ولذلك يمكن فهم مبادرة البنك الأهلى المصرى بطرح شهادة ادخار جديدة لمدة سنة بأعلى سعر فائدة فى مصر بنسبة ١٥٪ تصرف شهريا.
الحكومة خفضت سعر الغاز للمصانع إلى أربعة ونصف دولار بنسبة تصل إلى ٥٠٪ كما خفضت أسعار الكهرباء للصناعة بقيمة عشر قروش للكيلو وات، وهى مطالب قديمة، ولم تكن مرتبطة بصورة مباشرة بالفيروس، لكنها جاءت هذه الأيام، لتخفف من الأضرار الكثيرة التى لحقت بالصناعة والمصنعين من جراء كورونا.
من القرارات المهمة أيضا توفير مليار جنيه للمُصدرين، خلال مارس وإبريل لسداد جزء من مديوناتهم، وتأجيل سداد الضريبة العقارية المستحقة على المصانع والمنشآت السياحية لمدة ثلاثة شهور، ورفع الحجوزات الإدارية على جميع الممولين الذين لديهم ضريبة واجبة السداد مقابل ١٠٪ من الضريبة المستحقة عليهم، وتأجيل الاستحقاقات الائتمانية للشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر لمدة ستة شهور، وتخفيض ضريبة الدمغة على توزيع الأرباح الرأسمالية بنسبة ٥٠٪، وتخفيض مبلغ ٥٠ مليار جنيه لعشرين عاما بسعر عائد ١٠٪ للتمويل العقارى.
وطبعا كان الحافز الأكبر هو تخصيص ١٠٠ مليار جنيه لمواجهة تداعيات الفيروس، إضافة إلى مبادرات لتمويل شبكات القطاع الخاص الصناعى، وإعفاء الأجانب من ضرائب الأرباح الرأسمالية نهائيا، وتأجيلها للمقيمين حتى بداية ٢٠٢٢، وتخفيض ضريبة الدمغة على توزيع الأرباح بنسبة ٥٠٪، ومد وقف قانون الضريبة على الأطيان الزراعية لمدة عامين.
وكانت هناك لفتة طيبة لأصحاب المعاشات تمثلت فى تحقيق مطلب مهم جدا لهم وهو ضم العلاوات الخمسة المستحقة لهم بنسبة ٨٠٪ من الأجر الأساسى، إضافة إلى منح العلاوة الدورية السنوية للمعاشات لتكون بنسبة ١٤٪ اعتبارا من أول يوليو المقبل.
كان هناك أيضا اهتمام بالعمالة غير المنتظمة التى تعمل «يوم بيوم»؛ حيث تقرر صرف ٥٠٠ جنيه لعدد ٣٠٠ ألف منها، لمساندتها، بسبب توقف أعمالها الناتجة عن تداعيات انتشار الفيروس.
تحرك الحكومة كان سريعا وجيدا، وفاجأ كثيرين خصوصا، الذين يقولون إن معظم قراراتها المهمة كانت لا تتحقق أو تأتى متأخرة، لكنهم فوجئوا بتحققها حتى قبل أن يفكروا فيها، أو قبل أن تصل الأزمة إلى الذروة، قياسا بما حدث فى بلدان أخرى تعرضت لضربات مؤلمة بفعل فيروس كورونا.
ظنى الشخصى، وظن كثير من المتابعين أن القرارات التى اتخذتها الحكومة فى الفترة الأخيرة، ربما تكون الأفضل منذ توليها مهام عملها، لدرجة أن البعض يعتقد أن الولادة الحقيقية لحكومة مصطفى مدبولى، قد تمت هذه الأيام، بفعل المحنة الصعبة التى تمر بها البلاد بأكملها، بل المنطقة والعالم أجمع.
حتى الآن الأداء معقول، وبالتالى نسأل السؤال الأهم وهو: هل معنى ما سبق أن الحكومة أدت ما عليها وانتهى الأمر؟!.
الإجابة هى لا تماما، لأن الأزمة لا تزال مستمرة، وربما لم تصل للذروة، والتحديات لا تزال كثيرة، والوعى العام بخطورة المشكلة ليس كافيا للأسف، وبالتالى فإن الحكومة ومعها كل المجتمع، لا يزال أمامها الكثير من المهام لتنجزها، خصوصا طريقة وأسلوب التواصل مع الناس وإشراكهم فى المعركة وليس التعامل معهم كمتفرجين.
تحية لحكومة مدبولى ولمحافظ البنك المركزى على هذا الأداء المتميز «حتى الآن».