أكرمنى الله بأربعة أطفال، أعمارهم تبدأ من السابعة إلى السابعة عشر، أسأل الله أن يحفظهم وكل الأبناء من أى سوء.
منذ أكثر من أربع سنوات تقريبا، والحديث اليومى الذى لا ينقطع معهم، يدور حول محاولة إقناعهم بترشيد استخدامهم للأجهزة الإلكترونية، من الموبايلات إلى الآيباد نهاية بالبلايستيشن.
طبعا هذا ليس حالى الشخصى، ولكنه حال غالبية الآباء تقريبا، حينما يدخلون منازلهم بعد يوم عمل مرهق، ليجدوا كل أولادهم وزوجاتهم، غارقين فى مصافحة أحد الأجهزة الإلكترونية. وبعضهم يصاب باليأس فيشاركهم أحيانا نفس الرياضة اللعينة.
مضى الزمن الجميل، حينما كنا نشكو من أن جميع أفراد الأسرة يتسمرون أمام شاشة التليفزيون ولا يتحدثون معا!!.
فى هذا العصر كان الجميع يشاهدون برنامجا أو فيلما أو مسلسلا أو مباراة واحدة محددة ومعروفة لهم جميعا. كانوا يجلسون بعيدا عن شاشة التلفاز بمسافة معقولة، وفى فترة الإعلانات يمكنهم تبادل الحديث معا.
الآن صار ذلك حلما من الماضى، لأن كل شخص فى الأسرة، منزو فى عالمه الخاص، ولا أحد من أفراد أسرته، خصوصا الآباء، يعرفون ماذا يفعل أبناؤهم أو ماذا يشاهدون ويقرأون أو مع من يتحدثون؟!.
لكن سنفترض جدلا أن كل الأبناء تم تربيتهم بطريقة جيدة، وسوف يتصرفون بصورة لائقة، والسؤال اليوم، ليس عن الجانب التربوى والسلوكى، ولكن عن الجانب الصحى.
مناسبة هذا الحديث هو ما أعلنته السلطات الصينية، قبل ثلاثة أسابيع عن خطط لتنظيم سوق الألعاب الإلكترونية، بعد أن لاحظت ارتفاع مستويات الإصابة بحالات قصر النظر بين الأطفال. وهناك تقرير رسمى يقول إن ٥٠٠ مليون صينى يعانون من الضعف البصرى، أى ما يقرب من نصف السكان فوق الخامسة من عمرهم.
الصين هى أكبر سوق للألعاب الإلكترونية فى العالم، وتريد الحكومة الحد من عدد الألعاب وتقييد وقت اللعب، وتطوير نظام يحدد أعمار الأطفال، الذين يسمح لهم بممارسة تلك الألعاب.
الوثيقة الصينية الأخيرة ألقت باللوم فى مشكلة الإبصار، على زيادة انتشار الهواتف المحمولة وغيرها من الأجهزة الإلكترونية، وعدم وجود أنشطة فى الهواء الطلق، وعدم ممارسة الرياضة، وهناك إجماع على أن إدمان الألعاب يزيد من مشكلة قصر النظر.
المشكلة ليست فى الصين فقط، ولكن فى العالم أجمع، وبالأخص فى دول شرق آسيا. الصين بدأت فعليا فى سحب بعض الألعاب الخطرة من الأسواق، وأوقفت إصدار تراخيص لألعاب محلية تراها خطيرة، الأمر الذى أدى إلى خسائر هائلة فى أرباح الشركات المنتجة لهذا الألعاب.
المحللون يقولون إن هذه الشركات سوف تحاول التعويض عن هذه الخسارة، عبر التوسع فى الأسواق الخارجية، أى التخلص من المشكلة عندهم بتصديرها إلى الغلابة والمساكين المستهلكين لها فى البلدان الأخرى، خصوصا التى تعجز قوانينها وأنظمتها عن معالجة مثل هذه الظواهر.. والسؤال: ماذا يمكننا أن نفعل لمواجهة نفس المشكلة؟!
من الواضح أننا معجبون بالنموذج الصينى فى العديد من المجالات، خصوصا فى التنمية والإنتاج والتصدير وهى تستحق الاعجاب فعلا فى العديد من مجالاتها التنموية.
ورئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى زار بكين قبل أسبوعين، ووقع العديد من اتفاقيات التعاون. فلماذا لا نفكر فى الاقتداء بالصين فيما يتعلق بالحد من أخطار إدمان أولادنا للشاشات بمختلف أنواعها؟!.
نسأل هل لدينا أى دراسات أو بيانات أو إحصائيات عن العلاقة بين إدمان المصريين لهذه الألعاب وبين صحتهم العامة؟! وإذا لم يكن لدينا، فهل فكرنا فى هذه المشكلة، التى تعد من صميم الأمن القومى؟!.
شخصيا عندى أداة قياس غير علمية هى تزايد ارتداء الأطفال والشباب للنظارات الطبية، لكن لا أملك بيانا محددا كى أستند إليه.
أتمنى أن ننشغل جميعا حكومة وشعبا ومجتمعا مدنيا بالتفكير فى هذه المشكلة، التى تضرب أهم ما نملك، وهم أولادنا، وبالتالى تضرب المستقبل، فكيف نعالج ذلك وبأى وسيلة؟!.
الموضوع يحتاج إلى نقاش موسع يتحدث فيه كل من يملك حلولا لهذه المشكلة.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع