بقلم: عماد الدين حسين
يوم السبت الماضى، أجرى وزير الخارجية القطرى محمد بن عبدالرحمن آل ثان حوارا، مع تليفزيون «بى بى سى» البريطانى، كما تحدث أمام منتدى حوار المتوسط فى روما يوم الجمعة الماضى.
جوهر ما جاء فى هذا الحوار والمنتدى حسب ما نقل موقع سبوتنيك الروسى وصحيفة «الوطن» المصرية، قول محمد بن عبدالرحمن: «ليس لنا علاقة بجماعة الإخوان ولا ندعمها وليس لهم وجود رسمى فى قطر، ولم ندعم الإسلام السياسى، لقد كان دعمنا للشعوب، وليس للأحزاب السياسية وإن كنا مخطئين سنتراجع، وما يتم تداوله عن دعم قطر للمعارضة السعودية أو الحركات الطائفية فى القطيف هى معلومات خاطئة، وأن الإجراءات التى اتخذتها الدول الثلاث السعودية والإمارات والبحرين ضد بلاده كانت صادمة، وأقرب للعقاب الجماعى الذى فرض حصارا على قطر وعلى شعبها، وحل الخلاف مع إيران يكون بالحوار».
حاولت أن أكون موضوعيا فى نقل تصريحات وزير الخارجية القطرى، قبل أن أبدأ فى مناقشتها.
النقطة الصادمة، هى إنكار الوزير القطرى لعلاقة حكومته ونظامه بجماعة الإخوان، للوهلة الأولى ظننت أن هناك خطئا مطبعيا أو سوء اقتباس، لكن سياق الكلام بدا واضحا. هو يقول «لا يوجد وجود رسمى لهم»، صحيح لا يوجد مكان فى قطر مكتوب عليه: «مقر جماعة الإخوان»، لكن الجميع يعرف أنهم موجودون بقوة فى قطاعات كثيرة أهمها الإعلام، وهل فهمه لدعم الشعوب، أن الإخوان هم الممثلون الحصريون للشعب المصرى؟!!
إذا كان الوزير القطرى جادا فى هذا الكلام، فأغلب الظن أن كل ما يتردد عن مصالحة محتملة بين بلاده وبين الدول الأربعة، لن يحدث، ويجعلنا بصدد نوع من الكوميديا السوداء فى العمل السياسى العربى، لا يبشر بأى أمل فى حل الخلافات العربية.
كنت أفهم أن يقول الوزير القطرى ــ حتى لو اختفلت معه ــ إن بلاده ترى فى جماعة الإخوان فصيلا سياسيا مصريا، مثل بقية الفصائل، وأنهم ضد تصنيفها إرهابية، مثلما فعلت العديد من بلدان المنطقة خصوصا مصر والسعودية والإمارات، لكن أن ينفى صلة حكومته ونظامه بالجماعة أو دعمها، فهذا كلام لا يمكن أن يصدقه أى مبتدئ فى العمل السياسى، ويحتاج إلى هدوء أعصاب منقطع النظير للتعامل معه.
يعرف القاصى والدانى أن الحكومة القطرية تبنت جماعة الإخوان والعديد من قوى الإسلام السياسى سرا وعلنا منذ انقلاب الشيخ حمد على والده الشيخ خليفة، فى صيف ١٩٩٥، هذا التبنى والدعم وضح جليا خلال ثورة ٢٥ يناير وما بعدها، وخصوصا حينما تولى الإخوان الحكم فى يونيو ٢٠١٢، وصار الدعم مكشوفا بعد إزاحة الإخوان من الحكم عقب ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
يعرف الجميع أن قطر هى التى تمول معظم أنشطة الإخوان منذ ذلك الوقت، وحتى هذه اللحظة، خصوصا المنصات الإعلامية الموجودة فى الدوحة أو تركيا أو بعض البلدان الأخرى، ولولا هذا الدعم القطرى التنظيمى والمالى والإعلامى والدبلوماسى ما سمع الناس للإخوان حسا!.
ربما كان الوزير القطرى يتلاعب بالألفاظ، حينما ينفى وجود صلة رسمية تنظيمية، وأن الإخوان الموجودين فى بلاده أو تركيا أو لندن مجرد مواطنين مصريين، يتلقون الدعم مثل أى فصائل إسلامية أخرى، لكن نحن لا نتحدث عن التلاعب باللغة والألفاظ، بل نتحدث فى لب الموضوع وهو العلاقة العضوية بين الطرفين.
الغريب أن التقرير الرئيسى الذى نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية قبل أسبوعين قال بوضوح إن وزير الخارجية القطرى زار السعودية قبل أسابيع قليلة، وكان عرضه الرئيسى هو قطع العلاقة مع جماعة الإخوان، والتخلى عنهم، مقابل المصالحة! فمن نصدق محمد بن عبدالرحمن الذى نقلت عنه «وول ستريت» أم الذى تحدث إلى تليفزيون الـ«بى بى سى»؟!.
أتمنى أن تكون تصريحات الوزير مجرد مخاطبة دبلوماسية للخارج، وعروض دبلوماسية أثناء التفاوض، بمعنى أنه يريد أن يغازل الدول الأربعة بأنه لا توجد علاقة، ويمهد الطريق للتخلى التدريجى عن الجماعة، حتى لو كان الأمر سيتم بصورة شكلية.
فى كل الأحوال لن ننشغل كثيرا بما يقصده الوزير القطرى. بل المهم فى نهاية المطاف هو ما الذى ستفعله الحكومة القطرية على أرض الواقع؟!.
هل ستتوقف عن دعم الجماعة وهى تتبنى خطابا متشددا، وتتباهى بعض أجنحتها بتنفيذ أعمال إرهابية؟!.
وهل ستوقف الدعم والتحريض الإعلامى المستمر منذ سنوات ضد مصر وغالبية دول الخليج؟!. وهل تريد أن تكون دولة عربية عادية لها مصالح مع جيرانها أم قوة عظمى أو حتى مخلب لقوى إقليمية ودولية، بحيث لا تهدأ المنطقة أبدا؟!.
أسئلة تبحث عن إجابات حقيقية من الدوحة.