بقلم: عماد الدين حسين
يوم الخميس الماضى أقال الرئيس البرازيلى جاير بولسونارو وزير الصحة لويز هنريك مانديتا، بعد أسابيع من الخلاف الداخلى بشأن استراتيجية مكافحة انتشار فيروس كورونا، الذى أصاب أكثر من 30 ألف شخص، وأدى لوفاة أكثر من 1900 آخرين.
سبب الخلاف أن مانديتا كان أحد أكبر مؤيدى تنفيذ التباعد الاجتماعى ودعم قرارات المحافظين بإغلاق المدارس والشركات. لكن بولسونارو ــ وعلى طريقة ترامب ــ اعتبر كورونا ليس أكثر من «إنفلونزا صغيرة»، وأن توقف الاقتصاد قد يكون أسوأ من الفيروس نفسه. وعارض فرض قيود صارمة، بل وخرق كل الإجراءات الصحية الاحترازية، وتجول فى المخابز وحيا المؤيدين بمصافحة وعناق.
وتهكم الرئيس على الوزير المقال ومن يفكر مثله بالقول: «بعض الناس يريدون منى أن أصمت، وأتبع البروتوكولات الطبية.. كم مرة لا يتبع الطبيب البروتوكول؟! دعونا نواجه الفيروس بالواقع، إنها الحياة، وسنموت جميعا يوما»!!،
هل القصة السابقة قاصرة على البرازيل، أم أنها عالمية؟.
ما نقرؤه يوميا، يقول إن هذه الواقعة، تكررت فى بلدان كثيرة متقدمة ونامية. وأدت إلى جدل بين السياسيين وخبراء الصحة.
السياسيون يقولون إنهم ينظرون إلى الصورة الكاملة، وليس فقط الجانب الطبى. والأطباء يطالبون بالحل السحرى وهو العزل الكامل، أى جلوس كل الناس فى بيوتهم حتى يتلاشى الفيروس، وهو أمر يعتبره السياسيون مستحيلا عمليا.
فى بدايات الأزمة استمع السياسيون إلى رأى الأطباء، حتى ترامب كان يحرص على أن يقف معه أو بجواره فى كل المؤتمرات الصحفية أنتونى فوتشى أبرز خبير بالحكومة الأمريكية فى مكافحة الأمراض المعدية. ترامب معروف أنه لا يسمع أو يرى إلا نفسه، لكنه قال قبل أيام إنه إذا أخبره خبراء الصحة رأيا ضد رأيه يتعلق بقضية إغلاق الاقتصاد، فسوف يستمع إلى رأيهم. لكنه قال يوم الخميس الماضى، إن إدارته ستعيد فتح الولايات تدريجيا على ثلاث مراحل، ولا بد من عودة الاقتصاد مرة أخرى للعمل.
تحمس الرؤساء وكبار المسئولين فى بدايات الأمر، واستمعوا إلى رأى الأطباء، فيما يتعلق بالإغلاق، وهل يكون جزئيا أم شاملا، لكن عددا كبيرا منهم ويمثلهم اليوم الرئيس البرازيلى بولسونارو، قرروا أن يقولوا لخبراء الصحة: «كفى لقد حان دورنا».
كتبت قبل ذلك، وأكرر اليوم أن المسألة معقدة ومتداخلة، ولا يمكن حسمها بطريقة الأبيض والأسود أو «هذا صح وهذا خطأ».
كان الله فى عون الأطباء الذين يحاولون إنقاذ المرضى، لكن أيضا كان الله فى عون رؤساء الدول والحكومات، وهم يحاولون إنقاذ البلدان والشعوب والاقتصادات التى توشك على الإفلاس.
الموضوع دقيق وينبغى لمن يتصدى له أن يرى الصورة الكاملة، ويضع نفسه فى موقع المسئولية، ولا يكتفى بعبارات إنشائية رنانة من قبل: «يجب أن نطبق الحظر الكامل» أو «يجب أن نلغى الحظر من أساسه».
طبعا هناك دول لم تضطر للدخول فى هذه المعضلة المعقدة مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وألمانيا والصين، وبعض الدول الاسكندنافية لأن لديها مستوى متقدما من الرعاية الصحية الأولية، وتنفق بسخاء على قطاع الصحة، خلافا لدول كبرى أخرى يعانى قطاعها الصحى من أوضاع صعبة، رغم الاعتقاد الواسع بأنها كانت تملك كل شىء.
غالبية بلدان العالم خصوصا فى الغرب، وكذلك فى البلدان التى تعرضت لموجات واسعة من تفشى الوباء، كانت هناك آراء متباينة بين القطاع الصحى، والقطاع السياسى، بل كانت هناك انقسامات داخل بعض الحكومات الغربية بشأن الطريق المثلى لمواجهة كورونا.
لكن من الواضح أن المستوى السياسى هو الذى انتصر إلى حد كبير، ليس فقط لأنه يملك السلطة لفرض رأيه، لكن السبب الجوهرى أنه لا توجد دولة حتى لو كانت كبرى وعظمى، تتحمل عملية الإغلاق الكامل ولمدد غير معلومة.
علينا أن نتخيل محادثة بين طبيب وسياسى. الأول يقول للثانى، «لابد من فرض الإغلاق الكامل والشامل حتى ينتهى الفيروس». ويرد الثانى بكل هدوء ويقول له: حسنا أوافقك الرأى تماما، ولكن من الذى سيقوم بالإنتاج، ومن الذى سيدفع الرواتب لجميع الناس، حينما يجلسون فى بيوتهم؟!. يرد الأول ويقول: «الحكومة ورجال الأعمال». فيرد السياسى، ولكن حتى إذا كانت هناك فوائض مالية وحزم تمويلية، فإن ذلك سينتهى فى فترة تمتد من شهر إلى ستة أشهر، حسب ظروف كل دولة. فماذا سنفعل إذا جلس الناس جميعهم فى البيوت وأفلست الحكومات والقطاع الخاص؟!
الجدل طبيعى ولا يمكن أن نقول إن هذا الطرف على صواب والثانى على خطأ، فالحقيقة موجودة فى المنتصف بين وجهتى النظر المتعارضتين.