هل تكفى المؤامرة وحدها سببًا لتفسير الانهيار الكبير فى قيمة الليرة التركية أمام الدولار؛ حيث فقدت حوالى 40% خلال الأسبوعين الأخيرين.
المؤامرة مقنعة جدا لأنصار أردوغان وخصوصا «جمهور الترسو» الذى يريد شماعة خارجية، يلقى عليها باللائمة، بدلا من البحث فى العوامل الموضوعية.
وحتى أكون موضوعيا، فإن ما يفعله أنصار أردوغان الآن خصوصا من جماعة الإخوان، فعله إلى حد ما بعض أنصار الحكومة المصرية، قبل وأثناء قرار تعويم الجنيه أمام العملات الأجنبية فى نوفمبر ٢٠١٦!.
الحل الأسهل والأسوأ فى الوقت نفسه، هو ما لجأ إليه أردوغان وأنصاره، حينما صوروا أزمة الليرة باعتبارها ناتجة عن مؤامرة كونية شاملة، وأنها «صراع ضد الإسلام الذى يمثله الخليفة أردوغان».
يوم الإثنين الماضى قال أردوغان، فى اجتماع حزبى فى مدية طرابزون، مخاطبا ومهددا رجال الأعمال والمستثمرين الذين يسارعون إلى تغيير الليرة بالدولار: «لا تشتروا الدولار، وإلا ستضطرونى لتنفيذ خطة ب أو خطة ج»!!.
فى اليوم نفسه قبضت السلطات التركية على العشرات وحققت معهم بسبب تعليقهم على الأزمة والتهمة: «تهديد الأمن الاقتصادى للبلاد»!!.
ما يفعله أردوغان هروب للأمام، وعدم مواجهة الأسباب الرئيسية.
لا ينكر عاقل أن أردوغان وحزبه «العدالة والتنمية»، حقق إنجازات اقتصادية حقيقية، لكن هذه الإنجازات تتراجع.
قبل صعود «العدالة والتنمية» فى عام ٢٠٠٣، كانت نسبة النمو شديدة التواضع، وظلت تقفز حتى وصلت إلى ٧٫٤% متفوقا على «الفرسان الثلاثة» داخل مجموعة العشرين، وهم الصين والهند وإندونيسيا، واحتل الاقتصاد التركى المرتبة ١٧ عالميا. وفى عام ٢٠٠٧ سجلت الليرة أعلى مستوى بـ ١٫١٦ ليرة مقابل الدولار. لكن رحلة هبوطها بدأت تدريجيا فى السنوات العشر الأخيرة.
طوال تلك الفترة لم تكن هناك مؤامرة، بل إن العلاقات «سمن على عسل» مع الغرب وإسرائيل، وكان أردوغان وحكومته يتباهون بأنهم حققوا «زيرو مشاكل» مع العالم.
فى ٢٠١٣ صار الدولار بـ٢ ليرة، ثم بثلاث ليرات فى سبتمير ٢٠١٧، ثم ٤٫٧ ليرة أول أغسطس وقبل يومين قفز إلى ٧٫٢ ليرة.
أنصار أردوغان من «الشعبويين والمجذوبين» قالوا إنه قام بإقراض البنك الدولى، وجعل الديون الخارجية صفرا!!، لكن الواقع يقول إن حجم الديون الخارجية نحو ٩٥ مليار دولار تمثل ٥٣٪ من الناتج المحلى الإجمالى، وودائع القطاع البنكى بالدولار أقل من المديونيات، والفرق بين ودائع القطاع غير البنكى مقارنة بالانكشاف أو القروض والالتزامات تبلغ ٢٠٠ مليار دولار.
وطبقا لتحليل أجراه الباحث عمرو عبده، الشريك المؤسس لأكاديمية ماركت تريدر الأمريكية، فإنه مطلوب من القطاع الخاص التركى غير المالى فى الـ ١٢ شهرا القادمين سداد ديون أو إعادة تمويل قروض بـ ٦٦ مليار دولار ومطلوب من البنوك والقطاع المالى سداد ٧٦ مليار دولار أخرى، ثم أن ٦٧٪ من إجمالى ديون الحكومة والقطاع الخاص ديون خارجية، مما سيعزز الطلب على العملات الأجنبية.
حصيلة ما سبق أن تركيا تحتاج إلى ٢١٨ مليار دولار سنويا لسداد الديون وتمويل الواردات، وبالتالى فإن القطاع الخاص يحتاج أن يعيد تمويل أو اقتراض كل هذه الأموال.
ومع هبوط الليرة الحالى، فلن يكون هناك كثيرون لديهم استعداد لتوفير هذه القروض لبلد مشتبك مع الجميع تقريبا فى مشاكل سياسية.
وهنا بالضبط يأتى دور العامل السياسى. هو موجود لكنه ليس سبب الأزمة الحقيقى. الخبراء المحايدون يقولون إنه حينما يمر اقتصادك بمشاكل جوهرية، فلا تدخل فى معارك مع الجميع، خصوصا أولئك الذين يقدمون لك يد المساعدة، ولا يصح أن تشتمهم علنا وتطلب دعمهم سرا!!.
يقولون أيضا أن أردوغان يتدخل بنفسه فى تحديد السياسة الاقتصادية، وأن الوضع مرشح للتفاقم مع قرب تطبيق العقوبات الأمريكية على إيران، التى تستورد منها تركيا معظم احتياجاتها من النفط والغاز إضافة إلى العراق وروسيا. ثم هناك رهان أردوغان على حبال التناقض بين روسيا والغرب، وأمريكا لا تغفر له إبرامه لعقود السلاح مع موسكو، وأوروبا بدأت «تضعه تحت المجهر» مع تزايد لغته الشعبوية.
لكن الأزمة الأخيرة «صناعة محلية» طبقا لتحليل عميق لصحيفة الجارديان البريطانية، التى قالت قبل يومين أن «الاقتصاد الأردوغانى، لا يعتمد على الحقائق، بل على اعتقاد خاطئ بقدرة الرئيس على الربح فى أى جدال»!!.
السؤال: هل يدرك أنصار أردوغان ومريدوه كل هذه التعقيدات، أم يصرون على نظرية المؤامرة؟!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع