بقلم: عماد الدين حسين
مساء يوم الجمعة الماضى، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا مهما جدا عن تعثر مفاوضات سد النهضة مع الجانب الإثيوبى. البيان مهم لأنه كان شاملا وواضحا ووضع النقاط على الحروف بعملية المفاوضات بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبى، فيما يتعلق بجلسات التفاوض السابقة.
فى كل البيانات الرسمية المصرية السابقة، كانت اللغة هادئة جدا، بل وشديدة الدبلوماسية، حتى لا يتم اتهام مصر بأنها متشددة، وتحاول نسف المفاوضات. وبالنظر إلى الموقف الإثيوبى الأخير فعلينا أن نقر بأن هذه اللغة الواضحة والحاسمة، كان يحب أن تكون هى الأساس منذ بداية التفاوض، حتى لا نتفاجأ بأن إثيوبيا تضعنا أمام الأمر الواقع، أى اكتمال السد قبل الاتفاق، وأنها ستبدأ فعلا فى عملية الملء فى يوليو المقبل.
جوهر ما جاء فى هذا البيان أنه لم يكن فقط ردا على المغالطات فى بيانى وزارتى الخارجية والرى الإثيوبيتين، ولكن للرد على كل المغالطات الإثيوبية منذ بداية التفاوض.
البيان المصرى قال بوضوح إن مواقف إثيوبيا متعنتة ومغالى فيها، وتحاول فرض الأمر الواقع، وبسط سيطرتها على النيل الأزرق، وملء وتشغيل سد النهصة دون أدنى مراعاة للمصالح المائية لدول المصب خصوصا مصر، بما يخالف التزامات إثيوبيا وفق المعاهدات والأعراف الدولية.
من أهم النقاط فى بيان الخارجية المصرية قوله إن رفض إثيوبيا تصريف الإيراد الطبيعى أثناء عملية تشغيل السد، يرجع إلى نيتها توظيف هذا السد، الذى يفترض أنه يستهدف فقط توليد الكهرباء، لإطلاق يدها فى القيام بمشروعات مستقبلية واستغلال موارد النيل الأزرق دون الاكتراث بمصالح مصر المائية وحقوقها.
فى البيان نفت مصر أن تكون اقترحت ملء السد فى فترة تمتد من ١٢ ــ ٢١ عاما، كما تزعم إثيوبيا، وأنها لم تحدد سنوات معينة للملء، بل إن الدول الثلاث اتفقت منذ عام على ملء السد على مراحل تعتمد سرعة تنفيذها على الإيراد السنوى للنيل الأزرق، بمعنى أنه يمكن ملء السد فى ٦ أو ٧ سنوات، إذا كان إيراد النهر متوسطا، وفى حالة حدوث جفاف يمكن للسد توليد ٨٠٪ من الكهرباء بما يعنى تحمل الجانب الإثيوبى أعباء الجفاف بنسب ضئيلة.
وقال البيان أيضا إن مصر اقترحت وضع آليات وقواعد للتكيف مع التغيرات الهيدرولوجية وللتعامل مع سنوات الجفاف التى قد تتزامن مع عملية ملء سد النهضة، إلا أن إثيوبيا تأبى ألا أن تتحمل مصر بمفردها أعباء الجفاف، وهو الأمر الذى يتنافى مع قواعد القانون الدولى.
الملفت أنه كلما طالبت مصر بالاتفاق على خطوات فعالة للتعامل مع سنوات الجفاف، تلوح إثيوبيا باستعدادها لملء السد بشكل أحادى، وهو ما يخالف القانون الدولى وإعلان المبادئ فى ٢٠١٥.
والخطير أن إثيوبيا تصدر صورة مغلوطة جدا لمواطنيها وللرأى العام مفادها أن مصر تحاول الاستئثار بمياه النيل!
أتمنى أن يكون التعنت الإثيوبى هو أسلوب تفاوض، بحيث يكشف عن موقفه الحقيقى فى المفاوضات التى ستبدأ اليوم فى العاصمة الأمريكية واشنطن، بحضور وزراء خارجية ورى الدول الثلاث وكذلك وزير المالية الأمريكى ستيفان منوشين، ورئيس البنك الدولى ديفيد مالباس.
لكن لو كان هذا هو الموقف الأصيل للجانب الإثيوبى، أى الإصرار على ملء السد حتى لو لم يتوصل البلدان إلى اتفاق واضح وعادل، فالمعنى الوحيد هو إصرارها على التعامل مع النيل الأزرق باعتباره نهرا إثيوبيا فقط، ولا يخص دولتى المصب خصوصا مصر، التى تعتمد عليه بنسبة تزيد عن ٨٥٪ من احتياجاتها المائية سنويا.
أتمنى أيضا أن يصدق ظن الخبير المائى الكبير د. محمد نصر علام، بأن الإثيوبيين ــ بخلاف بعض الأصوات المغرضة ــ يتمنون التوصل إلى اتفاق شامل متكامل لتخزين وتشغيل السد. علام يبعث برسالة للشعب المصرى، كما جاء على صفحته على الفيسبوك تقول: «اطمئنوا، لأنه بدون تعاون مصر مع إثيوبيا لنقل معظم كهرباء السد المعدة للتصدير إلى دول الجوار، لن يحقق السد أهدافه الاقتصادية، هو يعتبر هذا الأمر ليس تهديدا، ولكنه لطمأنة المصريين».
نأمل أن تتمكن الولايات المتحدة من إقناع إثيوبيا، بأن التعنت وعدم الوصول إلى اتفاق لن يكون فى صالحها، أو فى صالح المنطقة بأكملها والاستقرار فيها، ونأمل أن يكون الموقف الأمريكى موضوعيا ومتفهما وليس تكريسا لوضع، يحاول أن يفرض على مصر شراء ما تحتاج إليه من مياه من إثيوبيا، كما يروج البعض.
علينا ألا نستبق الأحداث، لكن الدرس المستفاد من هذه المباحثات هو وجوب إظهار «العين الحمرا» لإثيوبيا من الآن فصاعدا، حتى تصل لها رسالة حاسمة أن مصر لن تتنازل عن حقوقها المائية.