مساء الأحد الماضى بثت فضائية «فوكس نيوز» الأمريكية حوارا مهما للغاية مع عادل الجبير، وزير الخارجية السعودى.. لماذا هو ومهم ومختلف؟
لأنه الظهور الأول للجبير الذى يرأس الدبلوماسية السعودية منذ اندلاع أزمة اختفاء ثم مقتل الكاتب الصحفى جمال خاشقجى داخل قنصلية بلاده فى إسطنبول التركية.
ثانيا: لأن الجبير تكلم بصراحة إلى حد كبير، وقال: إن عملية القتل كانت خطأ كبيرا وفادحا، وأن هناك تصميما من الملك سلمان على محاسبة المسئولين عن الحادث، وأنه واثق بأن العلاقات بين بلاده وأمريكا سوف تتجاوز الحادث.
يوم أمس الأول تحدث الجبير مرة أخرى وقال كلاما جديدا أيضا أن بلاده ستلقى القبض على كل المتهمين والمتورطين فى الحادث، وستعلن النتائج بكل شفافية، وصباح، أمس، قرأنا أن وزير المالية السعودى خالد الفالح، قال: إن قتل خاشقجى أمر مقيت ولا يمكن تبريره.
تقديرى أن المهم فى الأمر هو أن النبرة السعودية الرسمية بدأت فى الاختلاف والتغيير، لم تعد هى تلك النبرة المصرة على الإنكار منذ بداية الاختفاء فى ٢ أكتوبر الحالى.
كان هناك خطأ كارثى فى كل شىء تعلق بهذه العملية، والنتيجة أن السعودية وجدت نفسها عالقة فى دوامة شاملة وصعبة وربما غير مسبوقة منذ سنوات طويلة.
أن يخرج الجبير ثم الفالح بهذه التصريحات الواضحة فهى محاولة جادة لوقف النزيف الذى يهدد السعودية منذ بداية الحادثة وحتى الآن.
الأمر الآخر أن وسائل إعلام كثيرة محسوبة على السعودية بدأت فى التعامل بطريقة مختلفة عقب الإعلان عن وفاة خاشقجى داخل السفارة، وتوقيف 18 متهما، وإجراء هيكلة فى جهاز الاستخبارات السعودى، الذى تم تحميله مسئولية العملية بأكملها.
صارت هناك مناقشات علنية فى بعض وسائل الإعلام السعودية للتهديدات الأمريكية، خصوصا من قبل بعض قادة الكونجرس بمجلسيه، أو وسائل الإعلام المختلفة التى كانت رأس الحربة الأساسى فى هذه القضية منذ تفجيرها.
مرة أخرى أفضل خيار أمام السعودية أن تبادر بالإعلان عن كل التفاصيل المتعلقة بهذا الحادث المأساوى، وأن يتم تقديم كل المتورطين إلى العدالة لينالوا الجزاء العادل.
تقول الرواية السعودية الرسمية: إن الذين نفذوا العملية، تصرفوا من تلقاء أنفسهم، ولم يخبروا المستويات العليا، بل قاموا بتضليل الحكومة فى الرياض، وأبلغوها بأن خاشقجى خرج من السفارة.
حكومات غربية ووسائل إعلام كثيرة لا يصدقون هذه الرواية، وبعضهم يريد فرض عقوبات فورية على المملكة العربية السعودية.
الحل لمواجهة هذه الموجة التسونامية غير المسبوقة أن تقرر الحكومة السعودية الاستمرار فى عملية التحقيق بكل شفافية ونزاهة حتى تقنع الرأى العام العالمى أولا وكذلك الرأى العام السعودى والعربى الذى يستحق أن يحصل على الحقيقة أيضا.
أجد أهم الدروس المستفادة من هذا الحادث الرهيب هو أن الصدق والصراحة والوضوح أهم مليار مرة من أى محاولات للالتفاف أو التغطية أو التحايل، تخيلوا لو أن البيان السعودى الأخير صدر قبل بيان رجب طيب أردوغان، أمس؟ كان الأمر سيصبح كارثيا، لكن تخيلوا فى المقابل أن الإعلان السعودى صدر فى يوم وقوع الجريمة نفسها داخل القنصلية فى ٢ أكتوبر الماضى، لو حدث ذلك ما كانت السعودية وجدت نفسها فى هذا المأزق، لكن السؤال الجوهرى لماذا تم اللجوء إلى هذا التصرف من الأساس؟!.
نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع