بقلم: عماد الدين حسين
ما هى أفضل طريقة للقضاء على فيروس الكورونا؟!
«قليل من الثوم عليه بعض الملح والزيت والليمون»، ويتم تناوله ثلاث مرات يوميا، وسوف تكتشف أن الفيروس اختفى تماما!.
الإجابة السابقة ليست رأيى، لكنها من ضمن التخاريف العلمية المنتشرة على بعض مواقع السوشيال ميديا، واستمعت إليها ضمن فيديو قصير، أرسله لى صديق عزيز يوم الأحد الماضى، لأحد رجال الدين اللبنانيين الذى يسخر من هذه الخلطة، ويقول إنها تصلح لإعداد طبق من الفول المدمس، وليس للقضاء على الفيروس.
كلام رجل الدين اللبنانى العاقل، صحيح تريليون فى المائة، وللأسف فإن أصحاب الافتكاسات والتخاريف والوصفات الشعبية، كنا نعتقد أنهم اختفوا من الحياة؛ بسبب ما يشهده العالم من تقدم علمى رهيب، لكن للأسف اكتشفنا أن صوتهم لا يزال عاليا بفعل وسائل التواصل الاجتماعى.
العالم المتقدم، مشغول تماما بالبحث عن لقاحات وأدوية وعقاقير لعلاج هذا الفيروس الذى أرعب العالم، يحدث هذا فى الصين وأمريكا وألمانيا وفرنسا، وغالبية بلدان أوروبا، العلماء فى الجامعات والمعاهد والمعامل يسابقون الزمن من أجل الوصول بسرعة للعلاج الحاسم.
هذا العالم المتقدم أعطى دفة القيادة هذه الأيام للعلماء والأطباء والمتخصصين، وليس للإداريين والفهلوية وغيرهم.
فى المقابل فإن هناك أصواتا كثيرة فى العالم العربى والإسلامى، لا تزال تفكر بنفس منطق «الخل والثوم والليمون» لعلاج كل شىء من أول نزلات البرد إلى أمراض خطيرة مثل السرطان!.
لا أعترض على الطب الشعبى، بل أؤمن به كثيرا، والصين نفسها استخدمته بقوة فى تقوية مناعة الناس، والوصفة السابقة أستخدمها كثيرا لزيادة مناعتى، لكن هذا شىء مختلف تماما عن الطريقة التى يفكر بها بعضنا.
لو أن الأمر متوقف على «خلطة الثوم والزيت والليمون»، ما حدثت مشكلة من الأساس فى أى شىء، وليس فقط كورونا.
نحن أمام وباء شرس ومتوحش ومتحور وجديد تماما، والعالم لا يزال عاجزا عن مواجهته حتى الآن، لكنه يحاول بكل الطرق العلمية المعتمدة والمعروفة، وفى الجانب الثانى فإن «العائشين فى الأوهام» لا يزالون يمارسون دجلهم بكل ما يملكون من جهد».
من يتابع صفحات الكثير من العرب والمسلمين على وسائل التواصل الاجتماعى سيصاب بنوع خطير من الجنون، نظرا لما تحتويه من أفكار غريبة!!.
قبل أيام قرأت كلاما ساخرا على صفحة أحد الزملاء لمجموعة من العرب والمسلمين يجلسون فيما يشبه بعصور سحيقة ويقولون ما معناه: «سنظل هنا فى مكاننا نحن المؤمنون، فى انتظار أن يقوم الكفار باختراع علاج حقيقى لهذا الفيروس، وبعدها نعود لحياتنا مرة أخرى لكى نتهمهم بالكفر والفسوق والانحلال!!!».
طبعا هناك انتشار واسع لمقولة إن الفيروس انتقام إلهى من الصين لأنها تعذب المسلمين الإيجور فى إقليم تركمنستان الشرقية، وحينما تقول لهم إن الفيروس يقتل أيضا آلاف المسلمين فى كل الدول العربية والإسلامية، وآلاف المسيحيين فى أوروبا والعالم يصمتون!!.
وحينما تقول لهم إن الفيروس أغلق الحرم المكى يصابون بالصمت المطبق!.
البعض أيضا اعتبر أن ارتداء النساء المسلمات للنقاب هو «كمامة طبية» فرضها المولى عز وجل، من أجل الحماية من الفيروسات!، فإذا كان ذلك صحيحا، فهل يفترض بالرجال المسلمين أن يلبسوا النقاب حتى يحموا أنفسهم؟!.
هذا التفكير ليس مقصورا على المسلمين السنة، بل على بعض الإخوة الشيعة الذين تجادلوا أيضا فى مدى خطورة تقبيل مراقد أئمة الشيعة فى النجف وكربلاء أو قم!!.
الخبراء نصحوهم بالتوقف عن عادة التقبيل، بل والزيارة نفسها بسبب خطورة التجمعات، هم زايدوا أولا، ثم قبل بعضهم الأمر على مضض!!.
والتفكير نفسه موجود عند بعض الإخوة المسيحيين، الذين تجادلوا مطولا على السوشيال ميديا، بشأن استمرارهم فى «التناول» طبقا لما جاء فى الإنجيل، أو التوقف عن الأمر، حتى لا تنتشر العدوى؟!.
من الواضح أن المتطرفين والمتخلفين «ملة واحدة» فى كل الأديان والمذاهب السماوية والوضعية، والأمر متعلق بالعقل والذهنية وليس بالدين نفسه.
حياة الإنسان مقدمة على كل الأديان، وبالتالى فالمنطق والعقل وسلامة الناس هى من فرضت تعطيل الصلوات فى مكة والمدينة والفاتيكان وبيت لحم وكل المعابد اليهودية أو الهندوسية والبوذية.
الأديان جاءت لخدمة الناس والحفاظ على حياتهم، وليست من أجل تطبيق طقوس، لا تمثل جوهر الأديان.
ربما يكون انتشار كورونا فرصة لتعظيم التفكير العلمى وإفساح المجال للأطباء والخبراء، وأن نطلب من أصحاب نظرية «الثوم بالليمون وزيت الزيتون» أن يعتزلوا الحياة قليلا حتى يتم القضاء على الفيروس!!.