بقلم: عماد الدين حسين
إذا كنا ننتقد الكثير من ممارسات وسياسات الحكومة، فحق علينا أن نشير إلى نقطة ضوء، وهى الانتعاش الملحوظ الذى يعيشه قطاع السياحة هذه الأيام.
كل المؤشرات والشواهد تقول إن هذا القطاع بدأ يعود إلى الأرقام والنتائج الجيدة التى حققها فى العام القياسى أى ٢٠١٠.
قبل شهور قابلت وزيرة السياحة الدكتورة رانيا المشاط، ولم تذكر أرقاما محددة، وتفهمت وجهة نظرها تماما، لكنى أطمأننت على حقيقة الأوضاع، وأن الأمور عادت لمسارها السليم.
لم يكن فقط كلام الوزيرة هو المطمئن، لكن أيضا الأوضاع على الأرض، خصوصا أننى أعرف الكثير من العاملين العاديين فى هذا القطاع من موظفين ومرشدين وأصحاب فنادق صغيرة، وهم ترمومتر حقيقى، أتمكن من خلاله من معرفة الواقع بدلا من الاعتماد فقط على البيانات الرسمية، المشاط خبيرة اقتصادية بارزة، عملت فى البنك المركزى، ثم التحقت بصندوق النقد الدولى فى واشنطن، وعادت من هناك وزيرة، بعد أن كانت تتهيأ لتجهيز منزل وتأثيثه فى العاصمة الأمريكية.
الوزيرة قالت قبل أسابيع قليلة إن السياحة المصرية حققت أعلى إيرادات فى ميزان المدفوعات فى تاريخها.
المشاط تعرضت لانتقادات من أكثر من اتجاه بعضها موضوعى، وأغلبها شخصى وانطباعى، لكنها عملت بجدية بدعم كبير من الحكومة والرئاسة حتى حققت النتائج الأخيرة.
لم يكن ممكنا الوصول لهذه النتائج لولا وجود عنصر أساسى اسمه الأمن والاستقرار الذى تحقق بفضل جهود كبيرة من القوات المسلحة والشرطة.
نعلم جميعا أن «شوية بمب» يمكن أن ينسفوا جهود الدولة لسنوات، ورأينا أن إرهابيا واحدا نجح فى زرع قنبلة فى «علبة كانز» لم تكلفه أكثر من مائة دولار، فأسقطت طائرة الركاب الروسية فوق وسط سيناء فى أواخر أكتوبر ٢٠١٥، مما وجه ضربة مؤلمة لصناعة السياحة.
الاستثمار فى الأمن هو أفضل عنصر لازدهار السياحة، يأتى بعده الاستثمار فى البنية التحتية من طرق وجسور ومطارات وموانئ، وللموضوعية فقد حدثت طفرة حقيقية فى هذا المجال فى السنوات الأخيرة.
هذه الجهود قادت إلى حصول مصر على جائزة «الريادة الدولية فى السياحة» لهذا العام من المجلس الدولى للسياحة والسفر، الذى أكد أن تحسين الأوضاع الأمنية ساعد فى زيادة السياحة بمعدل ١٦٫٥٪ وهو أربعة أضعاف معدل النمو العالمى.
وزارة السياحة ومعها القطاع الخاص نجحوا فى حملات الترويج، خصوصا فى إحضارها، لكبار نجوم العالم فى الرياضة والفن، مثل ليونيل ميسى وسيرجيو راموس وريان جيجز وكيلور نافاس وزين الدين زيدان وروبرت كارلوس وواين رونى ومايك تايسون إضافة إلى نجمنا الدولى محمد صلاح، ومن الفنانين كيتى بيرى واورلاندو بلوم، وويل سميث وكورتنى كاردشيان وفلو ريدا ــ ذو واشر والعارضة شانيل، وشخصيات عامة كثيرة أبرزها ميلانا ترامب، وهؤلاء روجوا بمهارة للمقاصد السياحية المصرية.
النقطة المهمة فى هذا الصدد أن تكون لدينا جاهزية شاملة دائمة خصوصا فى مجال الأمن، المؤكد والطبيعى أن أعداء مصر لن يكونوا سعداء بهذا التطور الإيجابى فى مجال السياحة، والسؤال من هم الذين لن يكونوا سعداء بذلك؟
بالطبع يأتى فى المقدمة الإرهابيون والمتطرفون، بعض هؤلاء لديه اعتقادات دينية خاطئة ضد السائحين، وبعضهم ينظر للموضوع من زاوية اقتصادية بحتة، ويدرك أن السياحة هى الدجاجة التى تبيض ذهبا للاقتصاد المصرى، وبالتالى يستهدفها طوال الوقت، فعلوا ذلك فى التسعينيات من القرن الماضى، وفعلوها قبل شهور أمام المتحف المصرى الكبير فى ميدان الرماية، والمؤكد أنهم لن يتوقفوا وسيحاولون مرارا وتكرارا.
وبعد هؤلاء تأتى قوى وتنظيمات وأجهزة مخابرات ودول لا تود أن ترى مصر مستقرة ومتقدمة، لأن انتعاش السياحة وتدفق العملات الأجنبية الصعبة، يعنى تقوية الاقتصاد المصرى، بحيث يتوقف عن الاعتماد على المساعدات من الدول الأجنبية، أو المنح من الدول الشقيقة، وللأسف فإن كثيرين لا يتمنوا أن يرونا نقف على أقدامنا اقتصاديا، حتى لا يتطور ذلك إلى الوقوف على أقدامنا سياسيا، هذا العامل صار مهما جدا، خصوصا فى ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة. وعلينا ألا ننسى أن تقارير كثيرة ربطت بين حادث إسقاط الطائرة الروسية عام ٢٠١٥، ورفض مصر بعض السيناريوهات السياسية بعد ٣٠ يونيه ٢٠١٣.
خلاصة الكلام الأمور كلها متداخلة، ولا يمكن أن نفسرها بعامل واحد فقط، وكلما تمكنا من السير فى الطريق الصحيح، كلما أحبطنا ما يخطط ويدبر ضدنا، وبالتالى فالسياسات الصحيحة فى الداخل هى الأساس قبل أى شىء.
تحية تقدير لكل من ساهم فى وصول السياحة المصرية إلى مستواها الجيد حاليا.
وقد يهمك أيضًا:
المعقول واللا معقول فى حادث شهيد التذكرة
الصحافة الجيدة.. وماذا سنقول للأجيال الجديدة؟!