نتمنى ونحن نسعى لإنشاء فروع لجامعات دولية فى العاصمة الإدارية الجديدة، أن نكون حذرين من بعض النصابين ومحترفى تزوير التصنيفات. الرئيس عبدالفتاح السيسى لديه رغبة منذ فترة طويلة، فى وجود هذه الفروع المرموقة فى مصر، بحيث يحصل الخريج على شهادة من هارفارد أو أكسفورد أو كامبريدج وغيرها من الجامعات الدولية الكبرى.
ووزير التعليم العالى الدكتور خالد عبدالغفار فى سباق مع الزمن للاتفاق مع أفضل الجامعات العالمية، بحيث يتم افتتاح بعضها قريبا.
لكن السؤال الذى ينبغى أن ننتبه إليه هو: هل لدينا بالفعل رؤية واضحة عن الجامعات التى نريدها، وعلى أى أساس يتم تصنيف الجامعات عالميا؟!
تناقشت فى الأسابيع الأخيرة مع العديد من أصحاب الجامعات وخبرائها ورؤساء مجالس أمنائها، سواء كانوا فى جامعات حكومية أو خاصة.
مبدئيا ليس هناك معيار واحد لتصنيف الجامعات دوليا، وبالتالى علينا أن نسأل أنفسنا أولا: ما الهدف الذى نريد أن ننشئ على أساسه جامعات جديدة؟!
هناك مثلا تصنيف جامعات على أساس عدد الحاصلين على جائزة نوبل، وقد لا نكون فى حاجة إليه الآن. وهناك تصنيف على أساس عدد الأساتذة إلى عدد الطلاب. وهناك تصنيف على أساس النشر فى الدوريات العلمية المرموقة.
وهناك تصنيف يعتمد فى أحد معاييره على زوار الموقع الإلكترونى للجامعات، وتفاعل الطلاب مع الأساتذة على هذا الموقع. وهناك تصنيف يعتمد على وجود كليات طب أم لا.
على سبيل المثال هناك جامعات عالمية كبرى بها أستاذ لكل ٧٠٠ طالب، فى حين أنه كلية طب قصر العينى بها عضو هيئة تدريس لكل ثلاثة طلاب. وليس ذلك للأسف معيار تميز، بقدر ما هو سوء توزيع منذ سنوات طويلة، وعدد كبير من أعضاء هيئة التدريس لا يقومون بالتدريس، أو لا يذهبون أصلا إلى الكلية، ويذهبون صوريا.
أحد أصحاب الجامعات الخاصة، قال لى: بعضنا يعتقد خاطئا أننا حين ننشئ فرعا لجامعة عالمية كبرى فى مصر، فإنها ستحصل آليا على تصنيف الجامعة الأم. هو يشرح الأمر بقوله: إنه حينما يتم إنشاء جامعة جديدة فإن «العداد يبدأ من الزيرو»، فمثلا إذا قامت جامعة هارفارد بإنشاء فرع لها فى سان فرانسيسكو وليس فى مصر، فإن تقييمه يبدأ من الصفر.
وبالتالى علينا ألا ننشغل باسم الجامعة ومدى شهرتها بل بما نحتاجه كمجتمع الآن.
المؤكد أن مصر تحتاج الآن إلى الحصول على الخبرة العالمية فى أفضل المناهج المتاحة، التى نحن فى حاجة عملية وماسة لها، وليس منهجا لا يتناسب مع ظروفنا الراهنة. أيضا نحتاج إلى طرق القبول والتدريس ونظم الاعتماد.
والسؤال: هل نستطيع أن نستقطب أفضل خمسين جامعة فى العالم بسهولة؟
الإجابة للأسف هى: لا؛ لأنه حينما تكون هناك جامعة كبرى فى أمريكا وأوروبا، فما الذى يدفعها ويغريها لافتتاح فرع لها فى مصر، إلا إذا حصلت على مقابل مادى مُغْرٍ.
على سبيل المثال هناك دول خليجية تدفع ١٣٢ مليون دولار سنويا لخمس جامعات. فقط مقابل الاسم أو البراند، هذا بخلاف تحمل هذه الدولة لتكاليف إنشاء المبانى، ومرتبات هيئة التدريس التى تصل لعشرات الآلاف من الدولارات.
هناك طريقة أخرى لتحقيق نفس الهدف الذى يريده الرئيس.
مثلا علينا ألا ننشغل بالاسم العالمى فقط بل ننشغل أكثر بأفضل التخصصات الموجودة. مثلا قد يكون هناك تخصص عمارة فى العالم موجود فى جامعة غير مصنفة فى الخمسين الأوائل، وبالتالى فإن البحث عن التخصص سيؤدى آليا إلى الحصول على أفضل وأجود تعليم عالمى متاح، وهو الأمر الذى يؤكد عليه الرئيس.
حسنا فعل الرئيس حينما حذر خلال افتتاحه لمدينة العلمين الجديدة قبل نحو أسبوعين، من محاولات البعض الغش والتدليس فى هذا الأمر.
وقال لى أحد المتابعين لهذا الملف، إن بعضا ممن تقدموا لإنشاء فرع لجامعة جديدة قالوا إن ترتيبها العالمى رقم عشرة، ثم تبين لاحقا أن ترتيبها الفعلى هو ٢٩٠٠!
علينا ألا نتسرع فى هذا الملف، وندرس كل كبيرة وصغيرة فيه، فالتأجيل لفترة قصيرة قد يكون أفضل مليون مرة من إنفاق أموال ضخمة قد يتبين لاحقا أنها «واجهات براقة لجامعات مضروبة».
سهلوا للجادين الأوراق والإجراءات الروتينية وقدموا لهم كل الحوافز، ودققوا كثيرا مع بعض العاملين فى هذا المجال، حتى لا نتفاجأ ذات يوم بأنهم «فنكوش جامعى كبير»!
نقلاً عن الشروق القاهرية