بقلم: عماد الدين حسين
إذا كان وزير الداخلية اللواء محمود توفيق يقول إن خطر المجموعات والتنظيمات الارهابية ما يزال موجودا، فهل يصح أن يخرج البعض مرتديا زى الخبير الاستراتيجى ليقرر بكل سهولة وبقلب بارد أن هذا الحظر قد زال؟!
ظهر الخميس الماضى، عقد وزير الداخلية اجتماعا مع مساعديه بمقر مركز المعلومات وإدارة الأزمات بالوزارة، وشارك فى المؤتمر أيضا مديرو الأمن بالمحافظات عبر الفيديو كونفرانس. الوزير قال إنه رغم كل النجاحات الأمنية، إلا أن خطر التنظيمات الارهابية ما يزال قائما، رغم تلقيها عدة ضربات استباقية موجعة. كلمات الوزير واضحة جدا. وقبله تحدث رئيس الجمهورية فى أكثر من مناسبة، وآخرها صباح الجمعة قبل الماضية، حينما عاد من نيويورك وأكد أن المعركة مع الارهاب والتطرف لم تنتهِ.
إذا كان الأمر كذلك، وإذا كان كبار المسئولين يؤكدون دائما أن خطر العنف والتطرف والارهاب ما يزال قائما، فلماذا يتطوع البعض للافتاء بأن الارهاب تم دحره، وانتهى أمره؟!
هناك فارق كبير ومهم بين مظاهرات احتجاجية من قبل مواطنين على أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، وبين ارهابيين ومتطرفين مستعدين لفعل أى شىء لتحقيق أهدافهم.
غالبية المتظاهرين والمحتجين على الأوضاع المعيشية، ليست لديهم نوايا تخريبية، وليست لديهم أهداف سياسية معينة باستثناء أن تتحسن أحوالهم.
العكس صحيح بالنسبة للارهابيين والمتطرفين حتى لو كان الثمن هو حرق البلد بأكمله، ولتحقيق ذلك فهم يستفيدون من الفئة الأولى، سيحاولون الايحاء دائما بأنهم مع الغلابة والمساكين، وسوف يستغلون كل أخطاء الحكومة الحقيقية، ويضخمون من اخطاء صغيرة، أو يختلقون أخرى غير موجودة من أجل أن تظل جذوة عدم الاستقرار موجودة، فربما تعيدهم للمشهد مرة أخرى.
الارهابيون والمتطرفون ومن معهم ومن خلفهم لن ينتهوا بين يوم وليلة. هم لديهم أنصار ويلعبون على وتر الدين الذى له نفوذ كبير فى نفوس كثير من الناس. لديهم أيضا امتدادات فى غالبية الدول العربية والإسلامية منذ عشرات السنين، ثم إن هناك دولا كبرى وأخرى صغرى لكن غنية جدا، تفتح لهم خزائنها بلا حساب. من أجل كل ذلك فإن الاعتقاد بأن هذه التنظيمات والجماعات سوف تختفى فى غمضة عين، هو محض وهم كبير.
الذين يحاولون امتداح الحكومة والنظام بالقول إن هذه التنظيمات انهزمت وانتهت إلى الأبد، يرتكبون جريمة كبرى ليس فقط فى حق الحكومة والنظام، ولكن فى حق المجتمع بأكمله.
ما هى النتيجة حينما يكرر هؤلاء نفس الأسطوانة، ثم تقع عملية ارهابية ــ لا قدر الله ــ يسقط فيها عشرات الشهداء والمصابين، كما حدث قبل أيام قليلة فى كمين التفاحة ببئر العبد فى شمال سيناء؟!
حينما يحدث ذلك، فإن الانطباع الأساسى الذى سيصل إلى الناس هو أن من يقولون ذلك يمارسون سياسة التضليل، وأنهم بلا معلومات وبلا مصداقية، وبعدها لن يصدقوا أى شىء.
لكن الأخطر من كل ذلك هو أن المواطنين العاديين سوف يصلهم يقين جازم بأن التنظيمات التكفيرية والارهابية والعنيفة قوية جدا رغم كل الضربات التى تلقتها.
الأفضل من المبالغة فى الأشياء، هو أن نقول الحقيقة للناس خصوصا فيما يتعلق بحجم القوى الارهابية والمتطرفة. على الأقل لكى يتم ضمان دعم وتأييد المواطنين.
لمواجهة هذه التنظيمات، فى حين أن العكس ليس صحيحا.
بمعنى أنه حينما تقول الحكومة والاعلام للناس ليل نهار إنه تم القضاء نهائيا على الارهابيين، فلماذا ستطلب تأييدهم حينما يجد الجد وتكتشف ان خطرهم ما يزال موجودا؟!
ثم إن الارهاب والارهابيين لن ينتهى بسهولة، حتى لو تلقى العديد من الضربات الأمنية المؤثرة. هذا العنف والارهاب المتلفح بعباءة الدين، يضرب مصر منذ حقبة الأربعينيات من القرن الماضى، ومنها انتقل لغالبية بلدان المنطقة، وتوسع وانتشر وتوغل فى دول أخرى بآسيا وإفريقيا وأوروبا. القضاء على فيروس العنف والارهاب لن يتحقق فقط بعصا الأمن، ولكن بمواجهة شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية وإعلامية، وعبر تقديم نموذج مختلف وملهم ومقنع يجعل الناس تلتف حوله بدلا من تصديقهم لبعض تجار الدين.