بقلم - عماد الدين حسين
من الذى يفترض أن يواجه جرائم السوشيال ميديا، وانتقال بعض أكاذيبها إلى الإعلام التقليدى؟ والسؤال الأهم كيف يمكن توعية الناس بخطورة هذه النوعية من الأخبار المضروبة؟!
فى الايام الماضية تحدثت الشائعات والاكاذيب عن الخطأ الفادح الذى وقعت فيه بعض وسائل الإعلام الإلكترونية، حينما نشرت خبرا عن ترشيح شخص معين وزيرا للنقل، ثم تبين فيما بعد أن مصدر الخبر «تويتة مضروبة» كتبها مواطن مصرى، أراد أن يختبر قدرة الإعلام المصرى على التحقق من المعلومات قبل نشرها!
للمرة المليون الخطأ كبير ولا يمكن تبريره. لكن نحن نؤكد أن منع تكراره أمر لا يخص فقط الصحف والصحفيين، بل كل قوى المجتمع.
إذا كان كثيرون قد تحدثوا فى الأيام الأخيرة عن ضرورة تغيير وتطوير منظومة نقل الركاب عقب حادث جرار محطة مصر الأسبوع قبل الماضى، فمن الضرورى أن يبحث كل المهتمين بالإعلام، فى ضرورة تغيير وتطوير منظومة نقل الأخبار، بعد أن صارت عرضة لعمليات تخريب كثيرة، بعضها عن سبق إصرار وتعمد.
بالمناسبة ومع التعمق البسيط فى الأمر سوف نكتشف أن العوامل التى قادت إلى تخريب منظومة نقل الركاب، هى نفسها التى أدت إلى تخريب منظومة نقل الأخبار، مع حفظ الفارق بالطبع، للعوامل المختلفة التى تحكم العمل هنا أو هناك!
للأسف الشديد مثلما هناك ميكروباصات وأتوبيسات وتاكسيات تسير من دون تراخيص، أو خط سير، ولا تلتزم بأدنى حد من قواعد وأخلاقيات المرور. فإن الأمر يحدث إلى حد كبير مع بعض الصحف ووسائل الإعلام خصوصا الإلكترونية.
ومثلما هناك هذه المركبة الجهنمية المسماة «التوك توك»، التى تضرب بكل قواعد المرور والأدب واللياقة والنظام عرض الحائط، فإن هناك صحفا وفضائيات ومواقع إلكترونية، تفعل ما هو أفدح وأسوأ!!
التوك توك ليس مجرد وسيلة عشوائية تنقل الركاب، من دون أى قواعد قانونية، لكنه صار مرضا يستشرى فى معظم المجتمع، ويمكنك أن تجد تكاتك فى الإعلام والسياسة والاقتصاد والقيم والتعليم وسائر مجالات الحياة!!
عدد كبير من المراقبين انتقد بشدة المواقع والبوابات الإلكترونية التى وقعت فى كمين وزير النقل المزيف، وهؤلاء لهم كل الحق فى هذا الانتقاد، رغم أن بعضهم لا يتوقف عن تدمير مهنة الإعلام بدأب نشيط. لكن ونحن ننتقد هذا التصرف الأحمق، علينا أن نتوقف عن الشرح والتصيد، وننتقل إلى التفكير فى إجراءات عملية لمواجهة هذا الخطر الذى يزحف لتدمير مهنة الإعلام، مثلما تزحف منظومة التكاتك لتدمير مهنة النقل والمرور بل والأخلاق فى المجتمع.
ربما كان خطر التوك توك يظل محدودا مقارنة بخطر «تكاتك الإعلام والصحافة»، الأول خطره كبير نعم، لكنه لا يقارن مع خطر مثيله الإعلامى.
ومثلما نحتاج إلى قوانين وتشريعات رادعة لتنظيم التوك توك، فإننا نحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك، لضبط منظومة نقل الأخبار على السوشيال ميديا. فيما يتعلق بالمنظومة التقليدية فالأمور واضحة، وغالبية المؤسسات الإعلامية التقليدية، تلتزم بالقوانين وكذلك بالقواعد المهنية إلى حد كبير.
لكن المشكلة الحقيقية تكمن فى كيفية ايجاد منظومة تضبط نقل الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعية المنفتلة من كل عقال.
شخصيا لم أكن أقدر خطورة هذا الأمر، إلى أن صار عدد كبير من معارفى يتعاملون مع أخبار السوشيال ميديا باعتبارها أخبارا حقيقية، ومن سوء الحظ أن غالبية هؤلاء المعارف متعلمون جيدا، وبعضهم يفترض أنه من الصفوة والنخبة، لكنهم للأسف قرروا تسليم عقولهم لمجموعة من الافاقين المحترفين الذين يعملون لمصلحة لجان إلكترونية، تعمل لحساب أطراف متعددة ومتناقضة.
لا يمكن الحديث عن ضبط السوشيال ميديا، من دون أن تؤمن الدولة بضرورة وجود هامش من الحريات لوسائل الإعلام الرئيسية، لكى تجتذب المواطنين سواء كانوا قراء أو مشاهدين.
المشكلة لا تكمن فقط فى التشريعات الرادعة، لأن الناس فى النهاية أى المستهلكين للإعلام، لابد أن يجدوا مادة جيدة. إذا لم يجدوها فى الداخل المصرى، بحثوا عنها فى الخارج الذى قد يكون متربصا أو متصيدا أو معاديا.
الموضوع معقد ومتشابك ومتداخل ويحتاج رؤى عقلانية متفتحة، وليس مجرد استخدام الشماتة والتربص والتهديد بالعقوبات، لانه يخص كل منظومة الاعلام المصرى!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع