بقلم: عماد الدين حسين
العملية التى نفذتها عناصر من وزارة الداخلية مساء يوم الثلاثاء الماضى، فى عزبة شاهين فى حى الأميرية هى نوعية بامتياز، بعد أن تمكنت عبر قوات مكافحة الارهاب، وقوات «الأمن الوطنى»، من القضاء على خلية إرهابية من سبعة أفراد.، وقدمت شهيدا هو المقدم محمد فوزى الحوفى، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
حينما بدأت العملية لم تكن الصورة واضحة لكل وسائل الإعلام ومنها «الشروق». الأخبار غير الرسمية التى تحدث بها مواطنون من المنطقة وبعض «المصادر شبه الرسمية»، قالت إنها اشتباكات بين الشرطة و«خارجين عن القانون»، وبالتالى فوصف «خارجين عن القانون فى هذه اللحظات، لم يكن له أى دلالة من جهتنا، حتى نتبين ما يحدث، فالشرطة تشن عمليات كثيرة طوال الوقت ضد خارجين عن القانون، خصوصا تجار المخدرات، وحينما أعلنت وزارة الداخلية أنها اشتباكات مع خلية إرهابية، سارعت «الشروق» إلى اعتماد المصطلح.
أعود إلى البداية أسأل: لماذا هذه العملية نوعية؟.
لأنها تعنى أن الشرطة كانت تتابع وتراقب الخلية، وتضعها تحت أنظارها طوال الوقت.. وهذا تطور مهم يطمئننا بأن القدرة الاستباقية لوزارة الداخلية، وصلت إلى مرحلة متقدمة، بحيث أنها هى من يباغت الإرهابيين وليس العكس. وما يؤكد ذلك أن العمليات الإرهابية تراجعت تماما فى الفترة الأخيرة، باستثناءات بسيطة فى بقعة صغيرة بشمال سيناء، وحتى تلك المنطقة فقد تراجعت فيها العمليات بصورة ملحوظة، بفضل الجهود والتضحيات الكبيرة لرجال القوات المسلحة والشرطة، وتعاون غالبية المدنيين.
هى نوعية أيضا؛ لأنها تبعث برسالة لكل الإرهابيين أنه سوف يتم القضاء عليهم إن آجلا أو عاجلا.
اختراق خلايا الإرهابية شرط جوهرى لسرعة القضاء على الإرهاب، وتنظيف مصر من شروره. هذا الشرط هو الذى مكَّن وزارة الداخلية من القضاء على الإرهابيين فى نهاية التسعينيات، بعد أن نفذوا عمليات نوعية كثيرة، واغتالوا العديد من الرموز السياسية والأمنية، لكن شدة وقوة الضربات الأمنية، قضت على معظمهم وأجبرتهم على إجراء المراجعات وإعلان التوبة.
عملية عزبة شاهين الأخيرة تثبت مجددا بأن هذه العناصر والتنظيمات والجماعات لا يمكن التفاهم معها بالسياسة، بعد أن صارت أدوات فى يد أجهزة مخابرات ودول إقليمية ودولية.
شاهدنا فى الشهور الأخيرة كيف وضع التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية نفسه فى خدمة أطماع ومخططات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وقوى أخرى.
هو استخدمهم ضد وطنهم لغزو الشمال السورى ثم استخدمهم ومعهم تنظيمات متطرفة أخرى للتدخل فى ليبيا، لإغاثة حكومة الميليشيات المتطرفة، التى يقودها فايز السراج، بل وبدأ يتدخل بالطائرات المسيَّرة والقصف من البحر فى الأيام الأخيرة.
تجربة السنوات الأخيرة تكشف لنا سقوط مصطلحات الاعتدال والتطرف لوصف الحركات والتنظيمات والجماعات التى تتستر بالدين. لا فارق كبير يذكر بين داعش والإخوان، وثبت أن المسافات بينهما ليست بالبعيدة كما كان يتصور الكثير منا. والأخطر، أنهم قبلوا بأن يكونوا أدوات لمحاولة هدم أوطانهم العربية، من العراق وسوريا إلى مصر وليبيا.
أحد المعانى التى كشفتها عملية عزبة شاهين هى أن هؤلاء الإرهابيين فى كل المنطقة العربية يتحصنون بالمدنيين. حدث ذلك فى الموصل العراقية، حينما ظل تنظيم داعش يتخذ من أهالى الحى القديم فى الموصل، دروعا بشرية حتى لا يتعرض للهجوم من القوات العراقية. وكرر التنظيم الأمر نفسه فى الرقة ودير الزور فى سوريا، قبل أن يتم دحره. ثم تكرر الأمر فى حلب من جانب جبهة النصرة أو «القاعدة»، ثم فى أدلب أيضا قبل شهور قليلة.
العناصر التى تحصنت فى عمارة الأميرية ــ كما وصفهم بيان وزارة الداخلية ــ تكفيريون، وهؤلاء وأمثالهم لا يمكن التفاهم بالمنطق أو العقل أو السياسة. من يرفع السلاح لا ينبغى التفاهم معه إلا بالسلاح، ومن يحرض أو يخطط أو يدعم أو يمول أو يروج للإرهابيين فينبغى أن يتم التعامل معه بأقصى درجات الشدة بالقانون.
وإذا كان فيروس كورونا الذى يهاجم العالم كله الآن يمكن القضاء عليه بمصل أو لقاح، فإن فيروس العنف والتطرف والإرهاب هو الأخطر، ويحتاج إلى جهود كثيرة من كل المجتمعات العربية التى ضربها هذا الوباء منذ سنوات طويلة.
خالص العزاء لوزارة الداخلية، ولأسرة الشهيد المقدم محمد فوزى الحوفى، الذى ارتقى شهيدا وهو يطارد هذه العناصر الإرهابية.