بقلم: عماد الدين حسين
هل من الطبيعى أن يتعاطف الناس مع شهيد التذكرة الشاب محمد عيد، الذى لقى مصرعه تحت عجلات القطار، عند محطة دفرا قرب طنطا، الأسبوع الماضى؟!.
الإجابة هى نعم قاطعة، ومن لا يفعل ذلك فهناك مشكلة ضخمة فى تكوينه النفسى والعقلى والإنسانى؟!.
سؤال آخر: هل معنى هذا التعاطف أن يتوقف محصلو القطارات عن ممارسة عملهم، ويتركوا الركاب يستقلون القطارات من دون دفع تذاكر أو غرامات؟!.
الإجابة هى لا قاطعة، لأنه لو فعلنا ذلك فسوف تفلس هيئة السكة الحديد خلال شهور قليلة!.
للأسف الشديد، وعقب الحادث الأخير الذى راح ضحيته أحد الباعة الجائلين، وأصيب زميل له إصابات خطيرة، فان غالبية الناس تصر على رؤية الحقيقة من جانب واحد فقط، ولا تنظر لبقية الجوانب، وإذا حاولت لفت نظرها لهذا الأمر، فسوف يتم اتهامك فورا بالعدمية ومحاباة الحكومة أو المعارضة، وإمساك العصا من المنتصف.
هذا الفريق لا يريد منك إلا أن تدين الحكومة أو تدين القتيل فورا ومن دون نقاش.
الذى لفت نظرى للموضوع أننى وجدت كثيرا من المواطنين، يتشاركون فيديو على اليوتيوب لوزير النقل المهندس كامل الوزير عنوانه: «وزير النقل لكمسارى: لو بتسيب الناس تزوغ يبقى أمشيك وأوفر مرتبك».
وبالطبع علينا أن نتخيل حجم ونوعية التعلقيات وكلها تهاجم وتنتقد الوزير وتصوره قاسيا وبلا قلب ويحرض الكمسارية على الركاب!.
بعض الناس، وبسبب الظرف الإنسانى للحادثة تصاب أحيانا بالعمى عن رؤية كامل الحقيقة.
حينما شاهدت الفيديو، فإن كل قاله وزير النقل للكمسارية بضرورة تحصيل قيمة التذاكر من الركاب صحيح ومنطقى، وإذا لم يفعل الكمسارى ذلك يكون مقصرا فى عمله.
لكن هناك فرقا كبيرا بين ضرورة أن يحصل الكمسارى قيمة التذاكر من الركاب، وبين أن يدفعهم دفعا لقتل أنفسهم!!. فى الحالة الأولى هو يمارس عمله، ويجب أن يعاقب إذا لم يفعل ذلك. وفى الحالة الثانية هو يرتكب جريمة كبرى حينما يفتح الباب ليدفع أو يجبر الراكب على القفز من القطار أثناء سيره حتى لو كان يسير بسرعة قليلة.
بعض الناس الطيبين وهم يدافعون عن شهيد التذكرة ــ ولهم كل الحق فى ذلك ــ يرتكبون خطأ فادحا، حينما يطالبون بأن يكون ركوب القطارات مجانا أو أن يتم التسامح مع المتهربين!!. هؤلاء الناس هم أنفسهم الذين ينتقدون ليل نهار الفساد والإهمال فى هيئة السكة الحديد وكل مرافق ومؤسسات البلد.
لكى «نعدل الحال المايل» فى هيئة السكة الحديد وغيرها من المرافق، فلابد من أن يدفع الركاب قيمة تذاكرهم والغرامات المقررة، وأن يتوقف التزويغ، وألا يحصل أى شخص مهما كانت الجهة التى يعمل بها على تذاكر مجانية من دون وجه حق، وأن يكون التوظيف فى الهيئة على أسس فنية واقتصادية عادلة. من دون ذلك فسوف ينهار هذا المرفق القومى قريبا.
لا يمكن الدفاع عن أى خطأ، لكن ما قاله وزير النقل فى الفيديو للمحصلين صحيح مائة فى المائة. هو قال لأحد المحصلين: «لو لم تقوم بعملك فى تحصيل قيمة التذاكر والغرامات فما هو دورك، والأفضل فى هذه الحالة أن نستغنى عنكم، ونوفر مرتباتكم طالما أن الركاب لن يدفعوا قيمة التذاكر والغرامات»!.
هذا كلام صحيح ولا يجب أن نختلف معه، ونحن فى غمرة التعاطف الإنسانى مع شهيد التذكرة. لكن، مرة أخرى، كثيرا من الناس خلطوا بين هذا الحادث، وضرورة أن تكون الفوضى هى السائدة داخل القطارات.
المحصل وطاقم القطار أخطأوا خطأ قاتلا فى التعامل مع الحادث، والنيابة اتهمت الكمسارى بالقتل بالترويع. وظنى أن الهيئة بأكملها فشلت فى تثقيف وتأهيل العاملين والموظفين فى كيفية التعامل مع الركاب.
دور المحصل والمفتش والناظر أن يضمنوا حق الدولة فى تحصيل قيمة التذكرة أو الغرامة. لكن ليس من حقهم تهديد أو ترويع أو قتل الركاب. الراكب الممتنع عن الدفع يتم تسليمه لشرطة المواصلات، وهى تتولى التحقيق معه طبقا للقانون.
يقول البعض إن «الباعة الجائلين» غلابة وينبغى التسامح معهم أو تركهم «يلقطون رزقهم»!. هذا منطق غريب وإذا طبقناه فى القطار، فعلينا أن نطبقه فى كل مكان، خصوصا فى الشوارع والأسواق، ووقتها علينا أن نتوقف عن انتقاد الحكومة لأنها تسمح بذلك!!.
ما أريد قوله: أن نتعلم الحد الأدنى من الموضوعية، وفى الحادث الأخير، علينا أن ندين المنظومة بأكملها، وثقافة الخوف، التى سمحت للمحصل بدفع البائع لإلقاء نفسه هربا من الشرطة أو قيمة التذكرة، وبين ضرورة تحصيل حق الدولة من أى مواطن طالما كان ذلك فى إطار القانون.