بقلم - عماد الدين حسين
هل الأفضل أن نصدر قانونا جديدا للجميعات الأهلية، أم نعدل ونرمم القانون الموجود. والذى لم يدخل حيز التنفيذ منذ أكثر من عام؟!.
أطرح هذا السؤال، بعد أن حضرت لقاء ظهر يوم الخميس الماضى فى مقر وزارة التضامن لممثلى أكثر من ١٥٠ جمعية كى تقدم مقترحاتها لتعديل القانون الحالى، فكانت الحصيلة مطالبتها بتعديل ٤٢ مادة، وإضافة ١٧ مادة أخيرة أى ٥٩ مادة، فى حين أن مواد القانون المراد تعديله لا تزيد على سبعين!!.
شخصيا أتمنى صدور قانون جديد، يعطى إشارة للجميع فى الداخل والخارج، بأن مصر تريد قانونا يشجع ويدعم العمل الأهلى الحقيقى، وفى نفس الوقت لا يسمح بأى تهديد حقيقى للأمن القومى للبلاد، بمعناه الحقيقى وليس المطاط.
أعرف أن التمنيات صعبة فى هذا الزمان، لكن على الأقل، فلابد من إجراء تعديلات جادة تدعم العمل الأهلى الذى يمكن أن يفيد الحكومة والمواطنين فى حل العديد من المشكلات التى تواجه البلاد.
قبل الدخول فى التفاصيل، فمن الواجب الإشادة بالجهد الذى بذلته وزارة التضامن الاجتماعى فى قيادة النقاش المجتمعى بشأن هذا القانون. وسمعت من الوزيرة النشيطة غادة فى بداية اللقاء، عن ضرورة تشجيع التطوع والتبرع والشفافية والنزاهة والانضباط والحوكمة لبناء مزيد من الثقة، سعيا وراء بناء مجتمع مدنى قوى، دون أن يخل ذلك بالمجتمع نفسه.
عرفت من الوزيرة أن هناك ٩٠٩ جمعيات فى معظم المحافظات، شاركت فى عرض ومناقشة كل مواد القانون السبعين مادة مادة.
الهيئة العامة للاستعلامات لعبت دورا مهما، أيضا بقيادة رئيسها النشيط ضياء رشوان، الذى قام بإدارة لقاء الخميس الماضى، وتحدث عن اللقاءات التى تمت فى معظم المحافظات تمهيدا لتجمع المقترحات ومراجعتها عبر لجنة صياغة ثم إعداد مسودة لعرضها على الحكومة ثم البرلمان.
فى التعديلات الكثيرة الواردة من الجمعيات، والتى عرضها المستشار محمد القبارى، كانت هناك تعديلات شكلية وأخرى جوهرية، وهذا أمر طبيعى فى ظل الجدل الكبير الذى سبق صدور القانون ثم رافقه بل واستمر معه حتى بعد إصداره رسميا، قبل أن يطالب الرئيس عبدالفتاح السيسى بتعديله.
جوهر ما تريده غالبية الجمعيات أن يتم تخفيف قبضة الجهات الإدارية عليها، وأن تكون جهة الإدارة هى وزارة التضامن الاجتماعى، وليس أى جهة أخرى فى إشارة بالطبع إلى الجهات الأمنية، وإلغاء العقوبات السالبة للحريات فى القانون وأن يكون إشهار الجمعيات بالإخطار فعلا، بمعنى رفع الفيتو الذى تمارسه جهات عديدة على الاشهار. وأن تكون جهة الإدارة أى وزارة التضامن هى التى تراجع حسابات الجمعيات وليس الجهاز المركزى للمحاسبات.
من بين المقترحات أيضا إعادة ضبط مصطلح «الأمن القومى» حتى لا يكون مطاطا، ويساء استخدامه، بحيث يعرقل العمل الأهلى. وكذلك ضبط مصطلح الإرهاب الوارد بصورة غامضة فى أكثر من موضع.
الجمعيات طالبت أيضا بتيسير إجراءات تسجيل واشهار الجمعيات وتقليل الرسوم الخاصة بذلك، وتسهيل انضمام الاجانب إليها.
أتمنى أن تقتنع الحكومة بضرورة دعم العمل الأهلى، ليس لإرضاء بعض الدول خصوصا أمريكا وأوروبا، ولكن لأن المجتمع المصرى يحتاج إلى نشاط هذه الجمعيات سواء لجمع تبرعات خيرية، وكذلك للتنوير والتثقيف والتوعية.
قلت كثيرا وأكرر اليوم أن حفنة من الجمعيات والناشطين، حاولوا اختطاف هذه الجمعيات، سواء لأهداف مالية أو سياسية.
الأمر الذى جعلها أسيرة لاستقطاب حاد مع بعض جهات الحكومة، التى تعاملت مع كل أصحاب وقادة الجمعيات الاهلية باعتبارهم خونة أو مشاريع خونة يبيعون أوطانهم من أجل حفنة دولارات.
غالبية أصحاب الجمعيات لا صلة لهم بالسياسة، ويريدون العمل الأهلى فقط. أتمنى أن تقتنع الحكومة بأن نجاح العمل الأهلى سيصب فى مصلحتها، وأن تقتنع أنه ليس صحيحا أن كل العاملين فى العمل الإرهابى جواسيس أو مشاريع جواسيس.
ضعوا ما تشاءون من مواد تحمى الأمن القومى بصورة واضحة ومحددة وليس مطاطة، لكن شرط ألا يتم تأميم العمل الأهلى بالصورة التى رأيناها أخيرا، وهو أمر سيدفع ثمنه الجميع وفى مقدمتهم الحكومة وكل المجتمع.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع