بقلم: عماد الدين حسين
أنا أحد الذين كتبوا كثيرا فى هذا المكان، وتكلمت فى عشرات الفضائيات المصرية والعربية، أطالب بضرورة أن يكون التعاون ثم التعاون ثم التعاون هو الطريق الأساسى للتعامل مع إثيوبيا وبقية حوض النيل باعتبار أن خيار الصدام والحرب ــ لا قدر الله ــ سيكون كارثيا على الجميع. كنت أقول ذلك طوال الوقت على أساس أننا لم نتخيل أن إثيوبيا ستتصرف بالطريقة التى تصرفت بها فى الاسابيع الأخيرة.
أما وقد أسفرت عن وجهها الحقيقى، فقد بات لزاما علينا البحث فى كل الوسائل التى تحفظ حقنا فى المياه التى هى أساس وجودنا، وبدونها نتعرض للموت عطشا.
مرة أخرى لا يعنى كلامى أننى أدعو إلى الحرب فورا، لكن لابد أن تصل لإثيوبيا رسالة قاطعة بأن قواعد اللعبة تغيرت، والتهريج الذى كانت تمارسه منذ سنوات آن له أن يتوقف فورا!.
اتضح لنا الآن أن الحسابات الإثيوبية قائمة على مجموعة من الأسس أو بالأدق الأوهام، هى تعتقد أنها دولة عظمى، وأنها يحق لها أن تتصرف فى مياه النيل الأرزق باعتباره ملكا خاصا لها، من دون أن تقيم أى وزن أو اعتبار لبقية دول الحوض، خصوصا مصر أو للقوانين والأعراف الدولية.
سمعنا وزيرى الخارجية والرى الإثيوبيين يقولان «إن السد سدنا والأرض أرضنا والمياه مياهنا، والمال الذى يبنى به السد مالنا، ولا توجد قوة يمكنها منعنا من بنائه»!!.
مرة أخرى، نعم السد سدهم، لكن هناك اتفاقيات وقواعد دولية ملزمة ترتب حقوقا لبقية دول الحوض الأخرى وإلا لحكمت دول المنبع على دول المصب بالإعدام عطشا.
لفت نظرى مقال مهم كتبته الباحثة المرموقة فى الشئون السودانية والإفريقية الدكتورة أمانى الطويل بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، قبل أيام قليل تقول فيه إنها التقت مع مجموعة من المسئولين الإثيوبيين خلال ورشة عمل قبل أسابيع فى فنلندا، وتناقشت معهم فى الموضوع، ووصلت إلى قناعة خلاصتها أن المسئولين الإثيوبيين يعتقدون أنه «ليس هناك مهددات حقيقية تقف أمام الرغبة الإثيوبية فى استكمال بناء السد، وأنه لا الأطراف الإقليمية أو الدولية، تملك أوراق ضغط ضدهم، وأن الإثيوبيين يرفضون الفيتو المصرى الذى قيدهم طويلا!. وحتى عندما قالت لهم إنه لا يوجد فيتو مصرى ضد حقهم فى التنمية، بل هناك محددات دولية حاكمة للدول المتشاطئة لنهر مشترك، ومحددات للاستقرار الإقليمى، بدأ المسئول الإثيوبى بعيدا عن هذا النوع من المعطيات ومزهوا بالقوة الإثيوبية كما تبدو له»!!!.
الدكتورة أمانى كانت تعتقد أن هذا هو موقف المسئول أو المسئولين الذين قابلتهم فى هلسنكى فقط، لكن من الواضح أنه وبعد الانسحاب الإثيوبى الفج من جلسة التوقيع النهائى على اتفاق سد النهضة فى واشنطن، فإن هذا هو جوهر التفكير الإثيوبى الرسمى وربما الشعبى، خصوصا أن التصريحات الرسمية والشعبية الإثيوبية فى الأيام الأخيرة، تؤكد هذا الأمر.
انسحاب إثيوبيا فى اللحظة الأخيرة يعنى أنها لا تريد أن تقيد نفسها بأى قيد قانونى، وتريد من مصر أن تقبل بالأمر الواقع، وتتعامل مع إثيوبيا من الآن فصاعدا باعتبارها القوة المسيطرة والمهمة فى الإقليم بأكمله !!!.
هذا التفكير الإثيوبى ــ إذا صح ــ وللأسف يبدو صحيحا، شديد الخطورة، ويعنى ببساطة أن أديس أبابا تريد فعلا تعطيش المصريين، أو استخدام مياه النيل باعتبارها سلعة تملكها إثيوبيا، وتريد بيعها لنا، وبالتالى تحويل سد النهضة، ليس كمصدر لتوليد الكهرباء، بل لمحبس يجعل مصر رهينة فى يد إثيوبيا، ومن يقف وراء إثيوبيا سواء كانت دول فى حوض النيل أو أطراف إقليمية ودولية.
من أجل كل ذلك، ينبغى أن تعكف مصر بهدوء وروية وتفكير عميق على أن ترسل لإثيوبيا رسالة شديدة الوضوح فحواها كالتالى: نكرر أنا نقدر حقكم فى التنمية، لكن إذا كنتم مصرين على تعطيشنا وملء السد من دون اتفاق، والتعامل باعتبار النيل الأزرق نهرا إثيوبيا فقط، فإننا لن نقبل ذلك تحت أى ظرف من الظروف، مهما كانت العواقب، وسنجعلكم تندمون أشد الندم على تهوركم وخطأ حساباتكم.