بقلم: عماد الدين حسين
بما أننى كتبت هنا عشرات المرات منتقدا الحال البائس الذى وصل إليه الإعلام المصرى، فإن الموضوعية والأمانة تحتم على الإشادة ببعض «الانفراجات» الأخيرة.
أهم هذه الانفراجات، برنامج «كل يوم» وهو برنامج التوك شو الرئيسى لقناة «on e» ليلة الأربعاء الماضى، فى أول يوم من السنة الجديدة، وبشكله الجديد، ومقدميه الجدد، وهما الزميلان خالد أبوبكر، وبسمة وهبة بديلين لوائل الإبراشى وخلود زهران.
فى هذه الحلقة كان ضيوف البرنامج ثلاثة من نواب البرلمان هم ضياء الدين داود من تكتل 25ــ30 المعارض، وحسام الخولى القيادى فى حزب مستقبل وطن، وجهاد سيف نائب رئيس حزب المؤتمر وعضو تنسيقية شباب الأحزاب.
لا أتابع معظم برامج التوك شو منذ نحو عامين، لأن معظمها صار متشابها. الوضع اختلف مساء الأربعاء، حينما علمت أن داود سيكون أحد ضيوف البرنامج. بالنسبة لى كصحفى ومتابع لحال الإعلام، فإن وجود ضياء داود ضيفا فى فضائية تملكها الدولة المصرية، هو خبر مهم جدا، ينبغى التوقف عنده طويلا.
قد يسأل البعض: وما هى أهمية ذلك؟
لن أجيب بنفسى، ولكن خالد أبوبكر قال فى مقدمة البرنامج كلاما مهما هو: «الإعلام خلال الفترة الماضية لم يكن عند حسن ظن المشاهد المصرى، وربما لأسباب خارجة عن الإعلاميين أنفسهم، ونتمنى أن يتغير الوضع، أو عندنا أمل أن يتغير، أو ــ بينى وبينكم ــ عندنا وعد أنه يتغير. كان هناك دائما نزاع من أجل سقف الحرية فى مصر، ولم تكن حرية الرأى على ما يرام طوال العامين الماضيين. النهارده نبدأ يوما وبرنامجا جديدا نقول فيه حرية رأى حقيقية، سوف نكشف كل الحقائق، ومن حق الجميع، أن ينتقد رئيس الدولة والحكومة والبرلمان، فكل هؤلاء يعملون من أجل المواطن».
انتهى كلام خالد، ورأيى أن ما حدث فى هذه الليلة كان مهما، فأن تتم استضافة معارض بارز مثل ضياء داود فى فضائية مملوكة للدولة تطور نوعى، لأنه لم يحدث حتى فى فضائيات ووسائل إعلام غير مملوكة للدولة، لأسباب يطول شرحها.
تحدث داود على الهواء وقال كلاما مهما مثل: «هناك أزمات فى عدة محاور فى الحرية والديمقراطية والتعددية الحزبية، وهناك تراجع خلال السنوات الخمس الماضية، وتكتل «25ــ30» لم يظهر فى أى وسيلة إعلامية آخر عامين، وهناك تراجع فى المناخ العام سياسيا، وكذلك اقتصاديا بالنسبة للنتائج الأفقية، كما أن المزاج العام سيئ، وهناك حالة من عدم الرضا».
لكن داود قال أيضا: «اليوم نبدأ بداية جديدة تحتاج إلى معطيات جديدة، ومن الواضح أن هناك انفراجة، كلنا نأخذ بأسبابها، وسنبنى عليها جسور ثقة جديدة، بيننا وبين الدولة فى لقاء تبادلى، فلا يوجد تحقيق للنتائج على الأرض، إلا بالحرية، والديمقراطية هى المعطى الرئيسى للبناء، وهناك إيجابيات تمثل قاطرة، نقدر أن نبنى عليها فى بعض المشروعات الكبرى، ولكن علينا أن ننتقل سريعا، لمشروعات تنموية يشعر بها المواطن على المستوى الأفقى».
على صفحة خالد أبوبكر على الفيس بوك وجدته يكتب قائلا: «ده رأى النائب فى البرلمان ضياء الدين داود.. حضرتك تتفق تختلف معاه براحتك.. بس ده دورى إنى أمكنه يقول رأيه، مصر ٢٠٢٠ فى حرية الرأى هتبقى حاجة تانية».
المفاجأة الثانية أننى وجدت صفحة قناة «on e» تضع على صفحتها على تويتر كلمة مقتبسة من كلام داود تقول: «مفيش مناخ لوجود أحزاب قوية عشان فيه ناس كتير بيتقبض عليها».
قبل نهاية الحلقة مباشرة قال خالد أبوبكر: «أول يوم فى السنة الجديدة، ضياء داود، جاء، وقال كل ما يريده، يمكن الوقت لم يسعفنا، لكن المرة المقبلة أعدك بلقاءات كثيرة». هنا قاطعه داود متسائلا: «هو فيه مرة جاية؟!».. فأجابته بسمة وهبة قائلة: «ده دليل على قمة الديمقراطية، قولنا الرأى والرأى الآخر، وسنظل على ذلك طول الوقت». ثم عقب أبوبكر: كانت هناك اعتبارات أمنية واقتصادية تتعلق بالأمن القومى عطلت حرية الإعلام، لكن الآن وقد استقرت الدولة وتعافى الاقتصاد، فقد آن الأوان لفتح المجال السياسى، وهنا تأتى أهمية الاستماع للرأى والرأى الآخر».
مرة أخرى، لست حالما، لكن حينما يحدث ذلك على شاشة مملوكة للدولة،، فهو تطور ايجابى، قد لا يدركه إلا المتابعون لحال الإعلام المصرى فى العامين الأخيرين. وبالتالى فإن التحية واجبة لقناة «on e» وللإعلاميين خالد أبوبكر وبسمة وهبة، ولإدارة القناة، وجميع المشرفين على هذه المنظومة، على اقتناعهم ثم موافقتهم على هذا التطور.
التمنى الحقيقى ألا يكون ما حدث مجرد حالة استثنائية. بل فى إطار سياق عام، ولا يكون مقصورا على«on e»، بل يشمل جميع القنوات ووسائل الإعلام والصحف العامة والخاصة.
ما حدث ليلة الأربعاء كان أفضل هدية للإعلام والمجتمع المصرى شرط أن يستمر، ويكون حقيقيا. والحديث موصول.