بقلم - عماد الدين حسين
فى يوم واحد هو الثلاثاء الماضى، كان هناك خبران مهمان ومتجاوران فى العديد من وسائل الإعلام العالمية.
الخبر الأول مصدره البنك الدولى ويقول إن تكلفة الحروب فى الدولة العربية خلال السنوات الثمانية الماضية بلغت نحو ٩٠٠ مليار دولار.
الخبر الثانى مصدره معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام «سيبيرى» ان الولايات المتحدة هى المصدر الأكبر للسلاح عالميا فى حين أن المملكة العربية السعودية هى المشترى الأكبر عالميا.
الخبر الأول تحدث فيه الدكتور محمود محيى الدين النائب الأول الحالى لرئيس مجموعة البنك الدولى، وقال إن رقم تكلفة الدمار وفرص النمو الضائعة فى الدول العربية التى شهدت حروبا بين أعوام ٢٠١٠ و٢٠١٨، بلغ ٩٠٠ مليار دولار ــ فى تقديرات شديدة التحفظ ــ طبقا لما نقلته وكالة الأنباء الكويتية، حيث كان د.محيى الدين يزور الكويت فى إطار المراجعة السنوية لأجندة أهداف التنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠.
طبقا للوكالة نفسها فإن محيى الدين الخبير الاقتصادى الدولى المرموق، والذى شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الاستثمار، فى مصر قبل ٢٠١١ فإن الدول العربية سجلت اسوأ أداء على مستوى العالم فى مؤشر توزيع الدخل. حيث يستحوذ ١٠٪ من الأكثر غنى على ٦٠٪ من الدخل القومى، مقابل ٤٥٪ فى أوروبا.
هذا هو الخبر الاول، أما الثانى فإن تفاصيله تقول إن الولايات المتحدة صدرت بمفردها أكثر من ثلث صادرات الأسلحة العالمية خلال السنوات الماضية.
وقال معهد سيبيرى السويدى ان حجم صادرات السلاح، زاد ٨٪ خلال الفترة من ٢٠١٤ إلى ٢٠١٨، أمريكا باعت أسلحة لأكثر من ٩٨ دولة بنسبة 36%. فى حين أن روسيا جاءت فى المركز الثانى وصدرت إلى ٤٨ دولة. والملفت للنظر أن أكثر من نصف مبيعات الأسلحة الأمريكية ذهبت إلى الدول العربية، والسعودية حصلت على ٢٢٪ من إجمالى هذه المبيعات، واحتلت المركز الأول عالميا بنسبة استيراد بلغت ١٢٪.
لم تكن السعودية وحدها هى المستورد الرئيسى للأسلحة لكن كان معها كل من الهند والإمارات ومصر وأستراليا والجزائر، وهؤلاء استأثروا بنحو ثلث صادرات العالم من الأسلحة، فى حين أن كبار المصدرين الخمسة غير أمريكا وروسيا، كانوا فرنسا وألمانيا والصين.
ما سبق هو المعلومات والبيانات، ونسأل هل معنى كلامنا أن نتوقف عن التسلح ؟!. بالطبع الإجابة هى لا. فكل دولة يفترض أن تكون مستعدة لمواجهة جميع التهديدات والتحديات للمحافظة على وجودها واستقرارها. والمنطقة العربية تتعرض بالفعل لتهديدات وجودية فى السنوات الأخيرة سواء بسبب التنظيمات الارهابية أو غالبية دول الجوار التى تتعامل معنا باعتبارنا منطقة رخوة وهشة وفاشلة ينبغى «استكرادها»!. لكن الذى يقرأ الخبرين معا، سوف يكتشف أننا كعرب فشلنا فى رسم سياسات تحقق مصالح الشعوب وغرقنا فى حروب معظمها عبثى.
الربط بين الخبرين يقول إن توزيع الثروة سيئ جدا، وقلة تستأثر بغالبية الثروات فى حين أن غالبية المواطنين العرب يعانون من شظف العيش.
النقطة الثانية المهمة ومن خلال الربط بين الخبرين، فسوف نكتشف ان أمريكا والدول الخمس الكبرى المصدرة للأسلحة عالميا، ليس من مصلحتها أن تتوقف الحروب فى المنطقة العربية، وسوف يحاولون طوال الوقت النفخ فى النار حتى لو كانت تحت الرماد، لتطل الصراعات والحروب مستمرة.
مثلا من هو المستفيد من استمرار الصراع العربى الإيرانى؟!. سوف نكتشف أنه إسرائيل أولا، والدول الكبرى التى تريد اغراقنا فى حروب عبثية، طائفية.
تخيلوا لو توقفت الحروب فى اليمن وسوريا وليبيا؟!
النتيجة أن صادرات الأسلحة سوف تتوقف، وسوف يكتشف العرب أن مشكلتهم الأساسية هى الحريات والتنمية الشاملة من تعليم وصحة وتكنولوجيا، ثم صراعهم مع إسرائيل.
هل نلوم أمريكا وكبار مصدرى الأسلحة لأنهم يكسبون المليارات من وراءنا؟! الإجابة لا، بل علينا أن نلوم أنفسنا أولا وأخيرا على تخلفنا وجهلنا ومرضنا واستبدادنا، مما يتيح لكل من هب ودب أن يستفيد ويسترزق من خلافاتنا.
وإلى أن نفيق من هذا السبات الطويل، فسوف تظل مواردنا، بل وأرواحنا رهنا للقوى الكبرى، التى من مصلحتها أن تستمر حروبنا حتى نظل نستورد سلاحهم، ولا نتفرغ لقضايانا الرئيسية!. وصدق المثل القائل: «رزق الهبل على المجانين»!!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع