بقلم: عماد الدين حسين
من سوء حظ مصر أن وحش الفساد خصوصا فى قطاع المحليات قد ترسخ وتعملق، وبالتالى فالسؤال المهم هذه الأيام هو: كيف سيتعامل الرئيس عبدالفتاح السيسى مع هذا الوحش وكيف سيتمكن من ترويضه؟
مناسبة هذا السؤال أن السيسى بدأ يوجه ضربات موجعة لأهم معاقل هذا الفساد وهو «مافيا الأراضى وتراخيص البناء».
قبل أسابيع أصدر الرئيس تعليمات واضحة للمحافظين والمحليات عموما بوقف إصدار تراخيص البناء حتى يتم وضع معايير جديدة تمنع البناء المخالف والعشوائى، ثم تطور الأمر إلى تجميد رخص البناء الحالية الجارى تنفيذها.
وقبل أيام عرفنا أنه من المحتمل أن تكون هناك مناطق فى القاهرة وغيرها سيمنع فيها البناء نهائيا باعتبارها قد تشبعت.
ويوم الأحد الماضى وخلال افتتاح الرئيس لمشروعات قومية ومنها المرحلة الثانية من مساكن الأسمرات، قال الرئيس إن اشتراطات البناء ستكون فى منتهى الحزم والقوة ولن نسمح بالمخالفات مرة أخرى، وأن هذا القرار تأخر عشرين عاما.
السؤال الجوهرى الذى لا أمل أو أزهق من طرحه هو: هل ستتمكن الدولة والحكومة والمجتمع من ترويض وحش الفساد خصوصا فى مخالفات البناء؟!
علينا أن نتوقع وجود مقاومة شديدة من لوبى كبير سوف يتضرر من القضاء على هذا الفساد.
القاعدة البسيطة تقول إنه لا يمكن تصور وجود مخالفين من دون وجود مسئولين سهلوا لهم ارتكاب هذه المخالفات وشجعوهم عليها واستفادوا منهم.
ظنى الشخصى أن البداية الأولية للفساد الإدارى والمخالفات بدأت مع اتباع الدولة لسياسة الانفتاح الاقتصادى فى فبراير ١٩٧٤. وقتها كانت النوايا طيبة لكن عدم وجود قواعد وأسس وضبط وربط، ومحاولة تعويض الناس عن سنوات الحرب التى بدأت من هزيمة يونيه ١٩٦٧ إلى فض الاشتباك الأخير أوائل ١٩٧٤ أديا إلى ما أسماه الراحل العظيم أحمد بهاء الدين انفتاح «السداح مداح» الذى كان من بين تجلياته فساد المحليات ومخالفات المبانى.
المشكلة الكبرى فى هذا الملف أن المستفيدين من هذا الفساد سيبذلون كل الجهد لعرقلة هذا التوجه.
لوبى المستفيدين كبير جدا من أول الفراش الموجود أمام الحى أو المصلحة أو الجهاز نهاية بـ«الرجل الكبير» داخل هذه المؤسسة أو تلك المصلحة.
والمحزن أن هذا اللوبى أو تلك المافيا يتكاثرون يوما بعد يوما، وخربوا ذمم الكثير من الناس، بل والأخطر أن البعض صار يتعامل مع الفساد وأمواله باعتباره حلالا أو مشروعا تحت مسميات مختلفة من أول إكرامية، نهاية بأن «ظروف الناس صعبة».
أتمنى أن يتاح لأى جهة رسمية التنقيب والبحث المعمق وفحص جميع تراخيص المبانى التى صدرت فى الأربعين عاما الماضية أو حتى من أوائل الألفية الجديدة فقط.
وقتها سوف نعرف من الذى رشا ومن الذى ارتشى.. هؤلاء الراشون والمرتشون وما بينهم من مستفيدين هم الذين يشكلون حائط صد صعبا ضد أى محاولة إصلاح.
من حسن حظ المجتمع ومن سوء حظ مافيا البناء غير الشرعى أننا نلمس إرادة سياسية عليا واضحة هذه المرة فى محاربتهم، وهو أمر لم يكن متوافرا بقوة فى الماضى، حتى لو كانت بعض النوايا طيبة، لكن القضية الجوهرية المطروحة هى: ما هى آليات محاربة هذه المافيا؟!
هل نحاربهم بعناصر المحليات الذين تورط بعضهم فى الفساد السابق، أم نأتى بعناصر وكفاءات جديدة لم يسبق لأياديها أن تلوثت بالفساد؟!
أم هل يتم إلغاء كل المنظومة وتفكيكها بحيث نقضى على طرق الفساد بمعنى ألا يقتصر منح الرخص على المحليات فقط؟!
أظن أننا نحتاج إلى فضح أكبر عدد من رءوس الفساد الكبيرة ومحاكمتهم وتجريسهم، لكن بشرط ألا نتوقف عند ذلك لأن الأهم هو ضرب الفساد ووقتها سيتم القضاء على المفسدين آليا.
لو تمكنت مصر من الانتصار فى هذه المعركة ضد هذه المافيا السرطانية فأظن أن الطريق سيكون مفتوحا فى الانتصار فى معركة الإصلاح الإدارى بأكملها.