بقلم: عماد الدين حسين
إذا أحسنت الحكومة والرئاسة، فعلينا أن نقول لهم شكرا، وإذا أساءوا علينا أن نقول لهم: «انتبهوا هناك شىء خطأ يجب تصحيحه».
وبهذا المعيار يجب أن نقول للحكومة والرئيس، إن خطوة زيادة الأجور للموظفين وأصحاب المعاشات التى تم الإعلان عنها مساء السبت الماضى، كانت موفقة جدا، بل ربما تكون من أهم القرارات الشعبية التى اتخذتها الحكومة والرئاسة منذ سنوات.
يوم الإثنين قبل الماضى كتبت فى هذا المكان تحت عنوان «الحكومة والمعاشات.. الواقعية تنتصر». وبعدها وفى يوم ٢٨ مارس الماضى، كتبت أيضا بعنوان «رسالة أمل للموظفين»، فى هذين المقالين كتبت مشيدا بإجراءات وتوجيهات الرئيس للحكومة، بسحب الاستشكال على حكم المحكمة الإدارية العليا الخاص بأصحاب المعاشات، وبحث كيفية تطبيق الحكم، وكذلك الإعلان عن زيادات مرتقبة فى الأجور.
وفى المقالين قلت إن هناك توجها محمودا بالاستجابة إلى نبض الشارع وهمومه، والتخفيف من الأعباء الصعبة التى يتحملها الناس، وأنه لا ينبغى أن يتم اتخاذ القرارات فقط على أسس مالية واقتصادية بحتة، بل أن نحسبها أيضا على أسس اجتماعية وسياسية.
واتصل بى أحد الأصدقاء، وقال لى إنه حتى ولو تم الحساب على الأسس الاقتصادية فقط، شرط أن تكون صحيحة، فسوف تؤدى أيضا إلى العدالة الاجتماعية.
يوم السبت قدمت الحكومة أفضل هدية للموظفين وأصحاب المعاشات، حينما رفعت الحد الأدنى للأجور من ١٢٠٠ إلى ٢٠٠٠ جنيه لموظفى الحكومة، وكذلك رفع الحد الأدنى لكل الدرجات المالية، وعلاوة استثنائية للجميع بقيمة ١٥٠ جنيها، وعلاوة ٧٪ للمخاطبين بقانون الخدمة الاجتماعيية، وعلاوة ١٠٪ لغير المخاطبين بالقانون.
وزيادة المعاشات ١٥٪ بحد أدنى ١٥٠ جنيها، وأن يكون الحد الأدنى لأى معاش هو ٩٠٠ جنيه، وترقية مليون موظف بدءا من يوليو المقبل.
هذه الزيادات ستكلف الموازنة العامة حوالى ٣٠ مليار جنيه، بحيث ترتفع مخصصات الأجور إلى ٣٠٠ مليار جنيه، وهى بواقع ٣٠٫٥ مليار جنيه للأجور، و٢٨٫٥ مليار للمعاشات، يستفيد منها ٩٫٦ مليون مواطن على المعاش، ومليار جنيه لتمويل ضم ١٠٠ ألف أسرة جديدة لبرنامجى تكافل وكرامة، مع رد أموال التأمينات بصورة تدريجية والتى تصل إلى ٤٦٠ مليار جنيه.
هى إجراءات ثورية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، بالنظر إلى الرفض الكامل الذى كانت تبديه الحكومة ضد أى مطالب برفع الأجور والمعاشات، وكان شعارها «هنجيب منين»؟!!.
الحكومة بدأت برنامج الإصلاح الاقتصادى قبل سنوات، هذا البرنامج، كان مهما جدا لإنعاش الاقتصاد المصرى، وإخراجه من مأزقه، لكنه أدى إلى حالة إفقار لكثيرين، خصوصا أبناء الطبقة الوسطى، وبالتالى كان لابد من البحث عن حلول عملية للتخفيف عن هذه الطبقة.
هناك بالطبع مخاوف من أن تؤدى هذه الزيادات فى الأجور والمعاشات، إلى موجة جديدة من التضخم، فى ظل أن الإنتاج لم يشهد أى زيادة فعلية، وهناك مخاوف أيضا أن يكون تمويل هذه الزيادة عبر طبع الأوراق المالية «البنكنوت».. فما هو الحل؟!.
مرة أخرى وليست أخيرة، فإن الأوضاع الاجتماعية والسياسية ينبغى أن تترافق مع الأوضاع المالية والاقتصادية، بحيث لا يطغى عامل على آخر.
لكن الأهم فى هذه القرارات أن الحكومة بدأت تدرك الواقع الأليم والصعب الذى يعيشه غالبية الناس، هؤلاء الذين أيدوا الحكومة والرئاسة، فى كثير من المحطات، وصلوا إلى درجة صعبة جدا من عدم القدرة على التحمل، وشاهدت نماذج كثيرة لمواطنين يكلمون أنفسهم فى الشوارع!.
وبالتالى فإن التخفيف عن كاهل هؤلاء ينبغى أن يحتل الأولوية فى عمل الحكومة، لسبب بسيط أنه لا يعقل أن «نضحى بالمواطن من أجل نجاح البرنامج»، على غرار «الحكاية الشهيرة للطبيب الذى ضحى بالطفل والأم والمستشفى من أجل إثبات أن أجواء وإجراءات العملية الجراحية كانت سليمة!».
هناك الكثير الذى يمكن قوله بشأن إجراءات يوم السبت الماضى، وعلاقتها بالمتغيرات السياسية الراهنة، وأرجو أن أعود لذلك لاحقا، لكن الأهم أن تنتبه الحكومة إلى أمر مهم وهو كيفية مواجهة محاولات التجار وغيرهم، لإفراغ الزيادة من مفعولها، عبر الطريقة المصرية التقليدية أى زيادة الأسعار، خصوصا أنه يفترض أن أسعار الوقود والكهرباء، سترتفع بحلول يوليو المقبل!!.