بقلم - عماد الدين حسين
حلول المشكلات الصعبة ليس مستحيلا، طالما هناك عقل ورغبة وإرادة وكفاءة، واستغلال للتكنولوجيا الحديثة. التمويل مهم جدا، لكن فى مرات كثيرة، فإن غيابه أو نقصه لا يكون سببا فى تعطيل الحلول.
الإبداع صار هو الأساس. وثورة المعلومات والتقنية الحديثة تقدم كل يوم جديدا فى هذا المجال. النماذج والتجارب التى عرضها مركز محمد بن راشد للإبداع الحكومى فى دبى، على هامش القمة العالمية للحكومات فى الاسبوع قبل الماضى، «يمكن تطبيقها فى أكثر من مكان كما هى، أو مع إضافات وتعديلات توافق ظروف كل دولة أو مدينة.
خلال جولتى فى مركز الإبداع أو متحف المستقبل، طالعت خمس تجارب مهمة فى سنغافورة وإندونيسيا وباكستان وهولندا وكندا، أتمنى أن تفكر الجهات والمؤسسات المصرية فيها بهدوء، فربما نستطيع الاستفادة منها.
الفكرة الأولى عنوانها يقول: كيف نطور حلا استباقيا يقلل من حوادث المرو؟!. التجربة بدأت فى سنغافورة التى تتحسب لزيادة عدد سكان المدن عالميا. العاصمة لجأت إلى الذكاء الاصطناعى لمحاولة التنبؤ باحتمال تسبب سائقى الحافلات فى حوادث مرورية، عبر مراقبة سلوكياتهم، وبناء على النتائج تم إعادة تدريب وتأهيل السائقين والنتيجة هى انخفاض كبير فى عدد حوادث السيارات.
عنوان آخر يقول: «هل يمكن اعتبار البلاستيك عملة نقدية جديدة؟». الفكرة المبتكرة طبقتها مدينة سواريانا فى إندونيسيا، التى سمحت للمواطنين بدفع ثمن ركوبهم للحافلات العامة خمس زجاجات من البلاستيك الفارغ بدلا من النقود، حتى يمكن جمعها وإعادة معالجتها، بدلا من إلقائها فى القمامة، مما يزيد مخاطر النفايات التى تتسبب فى تلوث برى وبحرى خطير. والنتيجة أن استخدام خمس زجاجات بلاستيكية فى رحلة مدتها ساعتان، يساوى جمع ٧٫٥ طن من البلاستيك من الحافلة الواحدة شهريا، وقد تمكنت المدينة من جمع ٦٢ ألف كيلوجرام من النفايات البلاستيكية.
الفكرة الثالثة المبتكرة جرى تطبيقها فى مدينة كراتشى الباكستانية، وهى استخدام روث وفضلات الأبقار كوقود للحافلات، بعد تحويله إلى غاز ثنائى الميثان. شبكة الحافلات التى تستخدم هذا النوع من الوقود تنقل ٣٢٠ ألف راكب يوميا، وبالتالى تساهم فى تقليل انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، المسبب للاحتباس الحرارى بمقدار ٢٫٦ مليون طن على مدى ٣٠ عاما، والمحافظة على المحيطات التى كانت مكبا لنحو ٣٢٠٠ طن من روث الأبقار يوميا.
عنوان آخر يقول: ماذا لو استطعت تطويع الخدمات الحكومية وفقا لاحتياجك؟! .هذه الفكرة الهولندية تسأل: هل يمكن للسكان أن يصمموا مدنهم بأنفسهم وفقا لاحتياجاتهم ورغباتهم؟!.
مدينة تيلبورج الهولندية تبنت الفكرة لتحسين أمن الطرق فى المناطق المزدوجة، باستخدام تكنولوجيا الهواتف الذكية، لتطبيق عبور المشاة عبر الجى بى إس، إضافة لأجهزة استشعار لمنح كبار السن وقتا أطول لعبور إشارات المرور.
فكرة مبتكرة خامسة تم تطبيقها فى كندا، وعنوانها: «هل نستطيع تحفيز جميع السكان فى الدولة بخطوة واحدة؟». حيث نجحت الحكومة الكندية فى عام واحد فى رفع مستوى وعى الأفراد بمخاطر قلة ممارسة النشاط الرياضى بنسبة ٢٩٪، وزيادة النشاط البدنى للأفراد بنسبة ٣٤٪، وذلك من خلال استخدام أدوات «التبصر السلوكى». الدراسات كشفت أن تقليل عدد الأشخاص غير النشطين بنسبة ١٪ فقط سيوفر ٢٫١ مليار دولار من تكاليف الرعاية الصحية سنويا. ومن هنا تبنت الحكومة تحفيز المجتمع للانضمام إلى «مبادرة مكافآت كاروت»، وهو تطبيق ذكى يتم من خلاله منح المستخدمين نقاط ولاء عن كل خطوة يخطونها بهدف تحفيزهم وتثقيفهم باتباع نمط حياة صحى، واستبدال تلك النقاط فى محطات الوقود والمرافق الترفيهية وغيرها. وهكذا تم استقطاب أكثر من مليون مستخدم فى هذه المبادرة.
أعرف أن البعض سوف يسخر من هذه الافكار، ويقول: «يا عم احنا فين والحلول دى فين»، أو «طيب نصلح الطرق الاول أو نوقف الفساد، ثم نتحدث عن الاصلاح!!». كلها أقوال هدفها الإحباط والعرقلة، وعلينا أن نحاول دائما إصلاح ما نستطيع.
والسؤال لماذا لا نفكر فى تطبيق مثل هذه المبادرات عندنا، أو التفكير فى مبادرات مماثلة، قد لا يكلف بعضها الحكومة والمجتمع جنيها واحدا؟!!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع