كيف وصلت العلاقات المصرية البريطانية إلى كل هذا المستوى من التوتر وسوء الفهم، فى السنوات السبع الماضية، مقارنة بعلاقات مصرية مع غالبية بلدان العالم، وبالذات فى أوروبا، وبالأخص فى فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا واليونان وقبرص والمجر؟!.
عندما تجلس مع المسئولين الرسميين فى البلدين، فإن السمة الغالبة هى الكلام الدبلوماسى المنمق، لكنه لا يعكس واقعا على الأرض، وحينما نتحدث مع بعض هؤلاء المسئولين بوضوح وصراحة، فإنهم يسترسلون فى الحديث عن الكثير من مواطن سوء الفهم، آملين بمستقبل أفضل للعلاقات.
زرت لندن فى أول يوليو الماضى، والتقيت دبلوماسيين وسياسيين ومتابعين لعلاقات البلدين، فى لندن وفى القاهرة. الجميع تحدث عن التاريخ، لكن قلة هى من تحدثت عن المستقبل. والانطباع العام الذى خرجت به أن علاقات البلدين ــ ورغم كل الغيوم والضباب والسحاب ــ فإنها مرشحة للتحسن بصورة قد تفاجئ كثيرين، خصوصا بعد انتخاب بوريس جونسون رئيسا للوزراء.
قولا واحدا تتحمل الحكومة البريطانية المحافظة، المسئولية الأساسية عما وصلت إليه علاقات البلدين، فى السنوات السبع الماضية.
ليس هذا رأيى باعتبارى مواطنا مصريا، ولكن سمعت هذا الرأى من أكثر من دبلوماسى بريطانى، أحدهم قال لى نصا: «الحكومة البريطانية لم تكن موفقة إطلاقا فى طريقة تعاملها مع الحكومة المصرية».
هو يقول لم تكن هناك مؤامرة، لكن كان سوء فهم وسوء حظ وسوء تصرف كبير من جانب لندن.
هل كانت هناك مؤامرة أم لا؟!
الوقائع على الأرض ليست فى صالح الحكومة البريطانية. هى الحكومة التى كانت أكثر رفضا لثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، بل ربما كانت معارضتها أكثر من إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما. هذه الحكومة تزعمت الاتحاد الأوروبى بمعظم هيئاته، لفرض عقوبات سياسية على مصر، والرسالة التى وصلت للقاهرة فى ذلك الوقت، هى أن لندن تحاول بالسياسة، ما فشل فيه تنظيم الإخوان بالعنف، وهو العودة إلى المشهد السياسى.
هذا الأمر يراه أنصار الحكومة المصرية، مؤامرة واضحة المعالم، لكن الحكومة البريطانية، تراه اختلافات فى الرؤى السياسية بين البلدين.
الضربة الأكبر لعلاقات البلدين كانت بعد حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء ومقتل جميع ركابها. فى نهاية أكتوبر ٢٠١٥. بريطانيا بادرت إلى وقف رحلاتها لجميع المقاصد السياحية المصرية حتى قبل أن تعلن روسيا ذلك، وبالتالى فقد حذا حذوها بعض شركات الطيران العالمية، الأمر الذى وجه ضربة قوية لصناعة السياحة فى مصر، بل والاقتصاد المصرى بأكمله.
بعد هذا الحادث بخمسة أيام كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يزور لندن للمرة الأولى منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
لندن كانت العاصمة الأوروبية الأخيرة المناهضة للحكومة المصرية. ظن الجميع أن الزيارة ستعيد الدفء لعلاقات البلدين، لكن ما حدث كان أسوأ سيناريو ممكن. ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا ترك الرئيس السيسى فى مقر إقامته، ليعلن وقف الرحلات بشرم الشيخ، وتبعته موسكو وعواصم أوروبية أخرى.
ما الذى كانت تقصده الحكومة البريطانية من وراء التصرف بهذه الطريقة؟!
ليس المهم التقليب فى النوايا، فالرسالة التى وصلت للقاهرة أن لندن لا تريد قبول الأمر الواقع، وأنها تسعى بكل الطرق لإعادة جماعة الإخوان للمشهد السياسى.
وحتى حينما ضغطت الإمارات والسعودية ومصر لكى تعيد بريطانيا النظر فى علاقتها بجماعة الإخوان، جرى إعداد تقرير حمل اسم صاحبه السفير البرطانى فى الرياض وقتها جنكنيز وجاء مائعا لا يحسم شيئا. أدان جزء من جماعة الإخوان وقال إن لديها استعدادا للعنف، وبرأ جزء آخر منها، قائلا إنه يؤمن بالعمل السياسى السلمى، وهو الأمر الذى أعطى الجماعة المبرر لمواصلة العمل فى بريطانيا أولا، وبعض أنحاء أوروبا وأمريكا ثانيا، فى حين ظلت بعض الجماعات المنسوبة للإخوان تمارس الإرهاب علنا.
حتى فى القضايا الإٍقليمية، فإن بريطانيا كانت العاصمة الأوروبية والدولية الوحيدة التى عملت بكل السبل لتعويم وضع الحكومة الليبية المدعومة من جماعة الإخوان والميليشيات.
هذه السياسة كانت عبئا ثقيلا على غالبية الدبلوماسيين البريطانيين الذين خدموا فى مصر. هم واجهوا مشاعر غضب من كثير من المصريين، لكنهم كانوا ينفذون سياسة حكومة بلادهم فى لندن.
حاول جون كاسون التغلب على المشكلة، لكن سوء حظه أن التعامل الرسمى البريطانى كان أصعب من أن تخفيه دبلوماسية وسائل التواصل الاجتماعى.
الآن فإن السفير الجديد جيفرى ادامز لديه آمال كبيرة، بأن يتغير الوضع بين البلدين إلى الأفضل. والسؤال: هل يتم ترجمة ذلك إلى أفعال على أرض الواقع؟! علينا أن ننتظر ونرى وننظر كيف ترى القاهرة ولندن الامر وكيف يتم تغليب الإيجابيات على السلبيات؟!.