بقلم: عماد الدين حسين
فيلم فيديو قصير جدا مدته نحو أربع دقائق عن خناقة فى منتجع هايسندا بالساحل الشمالى، جدد الجدل مرة أخرى عن الأغنياء والفقراء، والتفاوت الطبقى، لكن ــ وهذا هو الأهم ــ أكد وجود سلاح فتاك اسمه «فيديوهات اليوتيوب».
طبقا للفيديو المنشور فى مواقع كثيرة، والتغطية الصحفية له، ومنها ما نشر على موقع «اليوم السابع» صباح الثلاثاء الماضى، فقد كانت هناك مشاجرة أو خناقة بين العشرات من الناس معظمهم شباب، فى القرية السياحية. الفيديو لا يكشف لنا بوضوح سبب الشجار، وإن كان هناك من قال إنه بسبب صراع على فتيات أو معاكسة لفتيات. فى الفيديو أصوات صراخ عالية، وبعض الألفاظ النابية، وفتيات فى أزياء سهرة، والبعض يبدو أنه كان مخمورا، ثم محاولة من البعض لتكسير إحدى السيارات، ذات اللون الفضى، لكن صاحبها يهرب بها داهسا فى طريقه بعض من حاول اعتراض طريقه.
الفيديو انتشر كالنار فى الهشيم، وسجل معدلات مشاهدة عالية، وكما هو متوقع فإن غالبية التعليقات انصبت على الفكرة التقليدية المتمثلة فى «الشباب الغنى الفاجر، والفتيات المنحلات السكيرات اللاتى يلبسن ملابس خارجة جدا، فى حين أن الفقراء وهم غالبية الشعب لا يملكون شيئا». ومطالبات من بعض المعلقين للدولة وللأجهزة الأمنية بالتدخل، لكى توقف هذه الممارسات، التى زادت عن حدها.
الملاحظة المبدئية أن الخناقة من وجهة نظرى عادية جدا جدا، وتحدث مئات المرات كل يوم فى العديد من ربوع المحروسة، خصوصا فى الفنادق والكافيتريات، شباب مبسوط أو سكران أو غنى أو طائش يتشاجر بسبب فتاة أو محاولة إظهار القوة والهيمنة والسيطرة والنفوذ. وهى المشاجرات التى نسمع فيها عبارات من عينة: «انت مش عارف بتكلم مين؟» أو «انت مش عارف انا ابن مين؟»!!.
الفارق الوحيد أن المشاجرة أو الخناقة حدثت فى القرية السياحية الأكثر شهرة «هايسندا»، ولو جرت فى أى مكان من تلك الأماكن التى تحدث فيها يوميا، ما تحدث عنها أحد، أو قام بوضعها على اليوتيوب و«تشييرها» بهذا الشكل المحموم.
جزء كبير من الشباب صار للأسف منفلتا وجزء لا بأس منه من الفتيات صرن متحررات وجريئات أكثر مما ينبغى. هذا الأمر نراه فى أماكن كثيرة، لكن حينما يقع فى هايسندا أو مارينا أو الجونة أو الأماكن والشواطئ والمنتجعات المصنفة بأنها تخص علية القوم، يتحول الأمر إلى «تريند وهاشتاج» كما رأينا فى الفيديو الذى عنونه كثيرون باسم «فضيحة هايسندا».
ما حدث فى هايسندا كان يحدث فى العديد من الأماكن فى الماضى، لكن لم نكن نعرف عنه، أو نشعر به أو نتأثر به، لأننا لم نكن نراه. الآن سلاح فيديوهات اليوتيوب صار فتاكا.
فى هذه المشاجرة العادية جدا ــ بمقاييس هذا الزمان ــ قام بعض الأشخاص بالضغط على زر تشغيل كاميرا فى أى محمول، وبعد دقائق قليلة تم وضع هذا الفيديو القصير على سائر وسائل التواصل الاجتماعى ومنها اليوتيوب، وبعدها تصدر الفيديو المشاهدات وغطى على الكثير من الأحداث.
مثل هذا الفيديو أو غيره من الفيديوهات صار أكثر تأثيرا من العديد من الصحف ووسائل الإعلام الموجودة بالسوق ومنها الفضائيات الكبرى. من لا يصدق عليه أن يقارن بين إجمالى ما توزعه الصحف المصرية اليومية مجتمعة، وبين من يشاهدون فيديو قصيرا جدا، يضعه بعض الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعى.
أنا هنا لا أحكم على مدى دقة ومصداقية وصحة هذه الفيديوهات، أو حتى مدى مطابقتها لقواعد مهنة الإعلام وآدابها، لكن ما أقصده هو ؟؟؟؟؟؟؟ والانتشار والتأثير.
بعض هذه الفيديوهات يكون مدفوعا وممولا من الخارج لمهاجمة الحكومة ورموزها، أو مصنوعا وموجها لإعادة تشكيل الرأى العام. لكن ما أقصده فى كل ما سبق هو الانتشار والتأثير الذى صارت تحظى به بعض هذه الفيديوهات.
شاهدنا فيديوهات كثيرة فى السنوات الماضية تسببت فى إقالة مسئولين كبار أو تغيير دفة النقاش وحسمها فى اتجاه معين.
وبالتالى صار مهما أن ندرك حجم وأهمية وخطورة سلاح فيديوهات اليوتيوب، وبقية وسائل التواصل الاجتماعى، خصوصا أنها تصل بصورة عشوائية إلى طبقات وفئات قد لا تملك الوعى الكافى لفهم حقيقة ما يحدث فى المجتمع والمنطقة. وبالتالى فأحد الحلول الحقيقية أن يكون لدينا إعلام متنوع وحر ــ فى إطار القانون والدستور ــ يستطيع أن يقدم أكبر قدر ممكن من وجهات النظر «التى لا تشمل بالطبع الإرهابيين»، حتى يقطع الطريق على الإشاعات الممنهجة والاستهداف اليومى من قبل أى جهة أو جماعة أو دولة!!!.