بقلم: عماد الدين حسين
هل تأخرت مصر فى إعلان خطوطها الحمراء فى ليبيا؟!
هذا سؤال جدلى، وإجابته ستكون حسب الموقف والزاوية والرؤية التى ينطلق منها كل شخص، ومدى إلمامه بالمعلومات والبيانات الصحيحة، ومدى فهمه لتعقيدات وتشابكات المواقف دوليا وإقليميا فيما يخص الأزمة الليبية.
الرئيس عبدالفتاح السيسى تفقد قوات المنطقة العسكرية الغربية فى سيدى برانى بمحافظة مرسى مطروح صباح السبت الماضى، ومن هناك أعلن خطوط مصر الحمراء فيما يتعلق بالأزمة الليبية وأهمها ألا تتجاوز قوات الميليشيات المدعومة من تركيا سرت أو الجفرة، وإلا فسوف تتدخل القوات المسلحة المصرية، والتى طلب منها الرئيس أن تكون جاهزة لحماية الأمن القومى المصرى داخل الحدود وخارجها.
هناك فريق يرى أن مصر تأخرت كثيرا فى إعلان هذا الخط الأحمر، وأنه كان حريا بها أن تفعل ذلك منذ زمن، بل أن هذا الفريق يقول إن مصر كان عليها أن تحتل ليبيا بالكامل أو تفرض حكومة موالية لها هناك حتى لا نصل إلى هذا الموقف الصعب وهو سيطرة مجموعة من الميليشيات المتطرفة على الحكومة الموجودة فى طرابلس.
لا أؤيد هذا الرأى، وتعالوا نتخيل السيناريو العكسى، أى أن تفعل مصر مثلما فعلت تركيا، وترسل قوات وأسلحة ومعدات وجنودا.
لو أن مصر فعلت ذلك فى ظل التوازنات الدولية والإقليمية الراهنة، لكان تم تصنيفها باعتبارها قوة عدوان واحتلال، وأنها تعادى كل قرارات الشرعية الدولية.
ثم إن الأمم المتحدة ماتزال تعترف بحكومة السراج، لأنها ناتجة عن اتفاق الصخيرات المدعوم دوليا. للأسف لم يتم تنفيذ الاتفاق خصوصا فيما يخص تفكيك الميليشيات، وتشكيل مجلس رئاسى يعبر عن كل المكونات الليبية وإشراك مجلس النواب فى العملية السياسية. وللأسف أكثر فإن قوى دولية كثيرة ماتزال تدعم حكومة الوفاق لأسباب متباينة ومنها إيطاليا وألمانيا وتونس والجزائر والمغرب إضافة إلى قطر والاحتلال التركى المباشر. وعلينا ألا ننسى أن تركيا لم تدخل ليبيا إلا بموافقة أمريكية، تتضح لنا هذه الأيام شيئا فشيئا.
لو دخلت مصر بالطريقة التى كان يتصورها المتحمسون، لربما جرى توريطها وإظهارها بمظهر الدولة المعتدية. لكن الذى حدث هو العكس. ظلت مصر تتأنى فى قرارها. كانت تدعم الجيش الوطنى بصورة واضحة، لكن بصورة تراعى التوازنات الكثيرة ولا تتسبب لها فى غضب دولى واسع.
لكن بعد التدخل التركى الفج والانسحاب الروسى من دعم الجيش الوطنى، تمكنت حكومة الميليشيات من تحقيق نجاحات ميدانية متوالية، وسيطرت على كامل مدن الغرب الليبى خصوصا ترهونة، ثم تمكنت من فك حصار الجيش الوطنى لطرابلس، بل وزحفت باتجاه السيطرة على سرت.
هذا التطور قلب كل الموازين، وصارت تركيا فى نظر غالبية العالم دولة معتدية، وتتحدى الشرعية الدولية التى تحظر إرسال الأسلحة إلى ليبيا، بل أكثر دخلت فى اشتباك بحرى مع قوة فرنسية، كانت تراقب حظر تصدير الأسلحة فى إطار قوة إيرينى التابعة للاتحاد الأوروبى.
طبعا هناك قوى دولية وإقليمية تؤيد تركيا فى أطماعها الليبية، لأسباب متباينة، لكن الرد المصرى الآن يمكن تصنيفه فى إطار الدفاع عن النفس، خصوصا أن التهديدات تقترب أكثر فأكثر من حدودها. ثم إن مغامرة مصر بالتدخل قبل ذلك، كان يمكن أن تؤدى إلى مشاكل كثيرة لمصر مع جزء من الشعب الليبى تم تضليله بصورة أو بأخرى.
من أجل كل ذلك ينبغى النظر للخطوة المصرية فى إطار الظروف المحيطة كلها، وليس بالمنطق الحماسى، الذى يتحدث به بعض أبناء البلد «على المصاطب»!
نحن لسنا بمفردنا فى العالم حتى نتدخل هنا اليوم وهناك غدا. لابد من حساب كل خطوة بمنتهى الدقة، حتى لا نتورط وبعدها نندم. وتذكروا أن الذين ورطوا جمال عبدالناصر فى أكثر من موقف فى الستينيات خصوصا فى حرب ٦٧ هم أول من لاموه حينما وقعت الواقعة!!