توقيت القاهرة المحلي 05:05:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أمريكا وإيران فى العراق.. ومكر التاريخ!

  مصر اليوم -

أمريكا وإيران فى العراق ومكر التاريخ

بقلم: عماد الدين حسين

احتلت أمريكا العراق بمساعدة بريطانية فى ٢٠٠٣ لإسقاط صدام حسين، وبحجة نشر الديمقراطية، فكانت النتيجة بعد ١٦ سنة هى تسليم العراق تقريبا لإيران، وبروز القوى والأحزاب والعقليات الطائفية، وتشجيع المنظمات الإرهابية، وفى الختام اقتحام مجموعات عراقية موالية لإيران للسفارة الأمريكية فى بغداد، ومحاولة إحراقها، ثم تصويت البرلمان العراقى قبل ايام على اخراج كل القوات الاجنبية فى اشارة واضحة للقوات الأمريكية!
إنه مكر التاريخ، وعقابه القاسى لأولئك الذين يحاولون تطويعه بالقوة الغاشمة. من كان يتصور أن الولايات المتحدة التى رفعت لسنوات طويلة شعار «احتواء إيران» وحصارها، سوف ينتهى بها الحال فى العراق، لتكون مهددة طوال الوقت من قبل إيران، التى تحولت إلى اللاعب الأساسى فى الشئون العراقية منذ سنوات طويلة؟!
التطور الجديد والخطير أن أمريكا قتلت رجل ايران القوى قاسم سليمانى، ومعه بعض قادة الحشد الشعبى يوم الجمعة الماضى قرب مطار بغداد، وقبلها بأيام وجهت ضربة جوية لحزب الله العراقى فى بلدة القائم قرب الحدود السورية، أدت إلى مقتل ٢٥ شخصا وإصابة العشرات. وبعدها تظاهر الآلاف من العراقيين معظمهم عناصر فاعلون فى «الحشد الشعبى»، او متعاطفون معه، وتوجهوا إلى السفارة الأمريكية محاولين إحراقها، وهو الأمر الذى أحرج الحكومة بصورة شديدة، حيث تجد نفسها بين نارين، نار أمريكا التى ما يزال لها النفوذ الكبير، ونار إيران وحلفائها فى الداخل!
من كان يتصور أن الغزو الأمريكى للعراق فى مارس ٢٠٠٣، سيكون أفضل هدية قدمتها أمريكا «الشيطان الأكبر» لعدوتها اللدودة إيران؟!.. كان ذلك صعب التصور، لكنه ما حدث على أرض الواقع. لم نلاحظ وقتها أن الذين عادوا على الدبابات الأمريكية لحكم العراق الجديد، كانوا يعيشون فى طهران، أو على صلة بها، بل هناك تسريبات استخبارية، تقول إن بعضهم كانوا عملاء مزدوجين للمخابرات الأمريكية والإيرانية.
طهران وقتها لم تعارض الغزو، ولم تقف ضده، ربما لأنها كانت تدرك أنها ستكون الفائز الأكبر، وهو ما حدث بالفعل، حيث صارت هى الناخب الأول فى العراق. حلفاؤها هم من يفوزون بأعلى الأصوات، وهى من تختار وتسمى رئيس الوزراء فى مرات كثيرة. ورجلها القوى الراحل قاسم سليمانى، كان هو الرجل الأقوى فى العراق، بل وفى المنطقة، خصوصا سوريا واليمن ولبنان. بضائعها تملأ الأسواق العراقية. وقادة الميليشيات أو «الحشد الشعبى» المسلحة بأسلحة متنوعة، يتحدون حكومتهم ويعلنون أنهم سوف يحاربون مع إيران، إذا اشتبكت مع أمريكا أو إسرائيل. المفاجأة السيئة لإيران أن غالبية الشعب العراقى قد اكتشف الخديعة الكبرى بعد كل هذه السنوات، وخرج فى مظاهرات عارمة ضد الطبقة السياسية الفاسدة، والأخطر أنه استهدف المصالح والوجود الإيرانى فى العراق، وهتف ضد إيران وقادتها ومرشدها والأحزاب الحليفة لها.
طهران تحاول عبر وكلائها الالتفاف على هذا الانقلاب الاستراتيجى. وفى النهاية بدأت تستخدم هؤلاء الوكلاء فى إزعاج الأمريكيين فى العراق بالمظاهرات حينا، وبصواريخ الكاتيوشا حينا آخر.
إيران استخدمت أمريكا فى العراق، لتحقيق أهدفها منذ عام ٢٠٠٣، بل ربما منذ غزو العراق للكويت فى ١٩٩٠، وحصلت على مكافآت مجزية، لكن يبدو أن أمريكا باغتيال سليمانى، تحاول سلب إيران بعض هذه الأوراق التى حصلت عليها. إيران اعتقدت أنها حصلت على الجائزة العراقية للأبد أو على الأقل لعقود طويلة، ثم استيقظت فجأة لتكتشف أنه لا شىء مضمون فى السياسة، وأنه لا يمكن الاعتماد فقط على حفنة من السياسيين، طالما أن الشعب نفسه وفى قلبه الطائفة الشيعية، قد ثاروا على كل الطبقة السياسية بغض النظر عن مذهبهم وعرقهم.
التاريخ كان شديد المكر مع الأمريكيين ومع الإيرانيين فى العراق. كل طرف اعتقد أنه فاز أو حصل على جوائز كبرى، استيقظ على كابوس كبير. الأمريكيون لم يصدقوا أنفسهم وهم يرون القوى السياسية التى حملوها على دباباتهم إلى قصور الحكم، تتمرد عليهم بل وتطالب بطرد ما تبقى منهم.
والإيرانيون الذين ظنوا أنهم هيمنوا تماما على العراق، فوجئوا بالشعب، وفى القلب منه الطائفة الشيعية، تثور على إيران، وتحرق قنصلياتهم وتهتف ضد رموزهم الدينية، وتبعث رسالة مهمة جدا لإيران ولأمريكا: أنهم عراقيون ويرفضون أى احتلال سواء كان أمريكيا أو إيرانيا، حقا ما أمكر التاريخ!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمريكا وإيران فى العراق ومكر التاريخ أمريكا وإيران فى العراق ومكر التاريخ



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon