بقلم - عماد الدين حسين
إذا كان الأمريكيون يمكن خداعهم بالأخبار الكاذبة فهل نلوم شعوب العالم الثالث إذا حدث معهم نفس الأمر؟!
قصة «الأب الروحى للأخبار الكاذبة» التى نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية الأسبوع الماضى، تكشف عن أن وباء الأخبار الكاذبة يصيب الجميع، لا فرق بين عالم نامٍ وآخر متقدم، لكن بالطبع فإن وجود مجتمع حيوى يتمتع بحرية صحافة يمكنه أن يكشف هذه «الأخبار المضروبة» مهما طال الزمن.
طبقا لتقرير البى بى سى المطول فإن كويستوفر بلير ظل 20 عاما يعمل كعامل بناء، وبعد أزمة الرهن العقارى عام 2008 قرر أن يجرب حظه فى الكتابة السياسية عبر المدونات، لكنها لم توفر له مالا معقولا، وبالتالى اتجه لكتابة الروايات والأخبار المفبركة.
الملفت للنظر أن «القصص المضروبة» بدأت تنتشر وتجذب آلاف القراء والمتابعين، ثم بدأ يحصل على الأموال من شركة جوجل نظير الإعلانات المنشورة على المدونة.
بلير كان ينتقد ويفبرك أخبارا عن الجميع سواء حملة ترامب، أو منافسته هيلارى كلينتون قبل انتخابات نوفمبر 2016.
هو كان يستخدم أسماء وهويات مستعارة، وأسس صفحة على فيس بوك أسماها «خط الدفاع الأخير لأمريكا».
بداية النهاية لهذا النصاب حينما اختلق قصة عن إمام مسجد قال إنه رفض إيواء غير المسلمين بعد إعصار هارفى الذى ضرب ولاية تكساس، ثم وضع صورة لشخص مع القصة، تبين أنه إمام حقيقى فى كندا، لم يزر تكساس فى حياته!!!.
هو اعتذر كثيرا عن ذلك، وقال إن الهدف من النشر هو خداع المحافظين ليقوموا بنشر تلك الأخبار بهدف إظهار غبائهم.
حينما انتشرت هذه الأخبار الكاذبة من بلير وأمثاله، اضطرت مواقع التواصل الاجتماعى للبدء فى مكافحة الأخبار الزائفة، ومنها العديد من الصفحات التى كان يديرها بلير، ثم إن متابعيه بدأوا يدركون أنه مروج للأخبار الكاذبة، فبدأوا ينصرفون عنه وبالأخص بعد حملة قادها مبرمج كمبيوتر بلجيكى يدعى مارتن شينك، اكتشف أن غالبية مواقع الأخبار الكاذبة تنقل من مصدر واحد هو كريستوفر بلير!.
سقط بلير، لكن هناك ملايين «البليرات» موجودون فى غالبية بلدان العالم المتقدم والمتأخر.
ظاهرة مروجى الأخبار الكاذبة موجودة منذ ظهور الحياة نفسها، لكنها تطورت وصارت جزءا أصيلا من وسائل التواصل الاجتماعى، ونسمع كل يوم عن الكتائب الالكترونية التى تخص تلك الحكومة أو هذا التنظيم أو حتى بعض الشخصيات العامة فى العديد من البلدان.
قد تكون حالة بلير غريبة ومريبة لأنه تعامل مع الأمر باعتباره هواية أو حتى مهنة، أو ربما رسالة كما يزعم، لكن ترويج الشائعات والأكاذيب تقوم به العديد من الحكومات والمؤسسات والأحزاب والهيئات العامة والخاصة فى غالبية بلدان العالم، كما أنه جزء أصيل من عمل أجهزة المخابرات الدولية وبالطبع تمارسه كل التنظيمات الإرهابية، والغريب أن التنظيمات التى تدعى أنها تسعى لتطبيق شرع الله تحترف نشر مثل هذه الأخبار الكاذبة، وتتفنن فى ذلك بطريقة يحسدها عليها جوبلز وزير دعاية هتلر!.
الفارق المهم بين الأخبار الكاذبة فى أمريكا والغرب وبين نظيرتها فى العالم الثالث أن الغرب لديه آليات وحريات صحافة وسيادة قانون تستطيع أن تكتشف مثل هذه الظواهر وتفضحها وتوقفها وهو ما لا يحدث فى العالم الثالث، خصوصا المنطقة العربية.
لكن الفوضى التى تضرب العالم أجمع وتراجع الحريات وتصاعد دور اليمين العنصرى المتطرف، جعل ظاهرة الأخبار الكاذبة تكثر حتى فى بعض بلدان المتقدم ورأينا هناك رؤساء ومسئولين كبارا يكذبون كما يتنفسون، وفى بعض الأحيان تتعجب أن تصريحات وكلمات بعض رؤساء الدول الكبرى، لا تختلف فى كذبها عن أى مسئول درجة تاسعة فى دولة شديدة التخلف.
توافر حريات الرأى والتعبير هو الدواء الشافى للقضاء على الشائعات والأخبار المضروبة، التى تنتشر وتزدهر فى البيئات المغلقة والمعتمة. الهواء النقى هو الذى يقضى على الشائعات. وطبعا ففى الأول والآخر فإن الإعلام مهما فعل لا يمكنه تزيين أو تزييف الواقع، لأنه يظل مجرد ناقل وبالتالى فالأفضل هو أن يكون الإعلام ناقلا للواقع وليس مزينا له فقط.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع