بقلم: عماد الدين حسين
فى الأيام والأسابيع الأخيرة نسمع العديد من المسئولين السودانيين والإثيوبيين والأفارقة يقولون: لقد تم حل ٩٠٪ أو ٩٥٪ من المشاكل والخلافات بشأن سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، ولم يبق إلا القليل.
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يتحدث الجميع عن وجود عقدة وتأزم وانسداد وفشل وتعثر، فى المفاوضات المستمرة تقريبا منذ بدء الحديث عن إنشاء سد النهضة أو الألفية فى إبريل ٢٠١١؟!
التفسير الأساسى فى نظرى، هو أن كل المسئولين الذين يتحدثون عن حكاية الـ٩٠٪ أو ٩٩.٩٪ من نجاح للمفاوضات، لا يريدون الاعتراف بالفشل، وأن الـ١٪ أو حتى الـ١٠٪ المتبقية هى لب الموضوع، ولا قيمة لـ٩٩٪ من دون هذا الـ١٪.
هذا الأسلوب فى الهروب من حقيقة الاعتراف بفشل المفاوضات ليس جديدا.
الذين تابعوا قصة المفاوضات بين مصر ودول حوض النيل منذ عام 1995 بشأن التوصل إلى اتفاق جديد اتخذ لاحقا اسم عنتيبى عاصمة أوغندا، سوف يتذكرون أن عددا كبيرا من المسئولين المصريين أنفسهم ظلوا يرددون، القول بأن المفاوضات بشأن هذا الاتفاق قد حققت نسبة نجاح لا تقل عن ٩٩٪، ولم يبق إلا الخلاف على ١٪ فقط.
ثم كانت المفاجأة المأساوية أن المفاوضات كانت شديدة التعثر واستمرت 15 عاما، ثم صدقت أربعة من دول حوض النيل هى إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا على الاتفاقية فى مايو 2010 فى عنتيبى، ولم توقع عليها مصر حتى الآن.
هل تعرفون ما هى نسبة الـ١٪ التى كان مختلفا عليها؟!. هى باختصار أن دول حوض النيل ألغت أهم بندين فى الاتفاقات السابقة التى كانت تحكم العلاقات فيما يخص مياه النهر، وهما ضرورة أن تقوم هذه الدول بالإخطار المسبق لمصر قبل الشروع فى إنشاء أى سدود وتحصل على موافقة مصر والسودان، والبند الثانى أن تحافظ على حصة مصر التاريخية من مياه النيل وقدرها 55 مليار متر مكعب فى حين أن ما تم الاتفاق عليه بالفعل هو الجوانب الفنية وآليات التنسيق والآثار الاجتماعية والبيئية».
غالبية دول حوض النيل أقرت الاتفاقية ومصر عارضتها، وعلقت حضور الاجتماعات، وبعض المسئولين السابقين كانوا يخدرون الشعب المصرى ويقولون له قد حققنا تقدما بنسبة ٩٩٪ ولم يقولوا له ما هى نسبة الـ١٪ المتبقية!.
المسئولون وقتها كانوا يريدون ألا يعترفوا بأنهم فشلوا فى الحصول على اتفاق جيد، لأنهم لو فعلوا ذلك سيقول لهم الشعب ولماذا أنتم مستمرون فى مناصبكم.
والمسئولون السودانيون فى حيرة من أمرهم لأنهم لا يريدون خسارة إثيوبيا ولا مصر، ولذلك يلجأون إلى الكلام الدبلوماسى والـ٩٠٪ من التقدم، رغم أنهم يدركون أن الخلافات المتبقية جوهرية جدا، وأهمها أن أديس أبابا تريد التعامل مع النيل الأزرق باعتباره سدا إثيوبيا خالصا وليس نهرا دوليا، يخضع للاتفاقيات الأممية، ولا تريد أن تعترف بحصة مصر من المياه ولا تريد أى اتفاق مكتوب وملزم قانونا خصوصا فيما يخص آلية فض المنازعات فيما بعد. وربما يكون المسئولون السودانيون يقصدون أن 90% من المشاكل التى تخصهم هى التى تم حلها، وليس ما يتعلق بمطالبنا!!.
نعم حققنا تقدما فى بعض التعريفات الفنية والقضايا البيئية، لكنها ورغم أهميتها لا قيمة لها بجانب البنود الجوهرية التى تهمنا. من أجل كل ذلك علينا أن ننتبه كثيرا، بل ونرتاب ونتشكك، حينما يخرج أى مسئول محلى أو أجنبى ويقول لنا: «لقد حققنا تقدما بنسبة ٩٠٪ أو ٩٩٪». لو قال ذلك علينا أن نسأله فورا: وما هى نسبة الـ١٪ المتبقية، لأن هذا الأمر ينطبق عليه المثل الشهير: «الشيطان يكمن فى التفاصيل»!!.
والحمد لله أن المفاوض المصرى الحالى بدأ يدرك كل ذلك فى الفترة الأخيرة، وصار يسمى الأشياء بمسمياته الحقيقية، ويقول إن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، حتى نرى اتفاقا مكتوبا وملزما وعادلا كما بشرتنا القمة الإفريقية الأخيرة المصغرة، ثم جاءت كلمة مندوب إثيوبيا أمام مجلس الأمن مساء الإثنين الماضى، لتؤكد لنا مجددا أننا لا نضمن أى شى حتى لو كان بنسبة 1% !!.