بقلم : عماد الدين حسين
خلال الأيام الماضية ظهرت فى أكثر من برنامج تليفزيونى، وكان هناك سؤال تكرر كثيرا هو: هل انتهت المعركة مع الإرهابيين والمتطرفين بالانتصار عقب المظاهرات الضخمة يوم الجمعة الماضى فى مدينة نصر تأييدا للرئيس عبدالفتاح السيسى والحكومة؟!
كنت أتمنى أن تكون الإجابة هى نعم، لكن للأسف فالمعركة مستمرة وطويلة وتحتاج إلى أدوات وآليات وسياسات متنوعة، وليس فقط تجميع الآلاف أو حتى ملايين الناس فى كل الميادين؟!
بالطبع التجمعات والتظاهرات الشعبية المؤيدة مهمة، لكنها لا تحسم المعركة مع الإرهابيين بمفردها. هى أداة لتثبيت انطباع، أو تعزيز موقع أو تغيير فكرة أو بعث رسالة أو لإظهار موقف. فما بالك حينما لا يكون كل المتظاهرين من الإرهابيين، بل من مواطنين عاديين، لهم مطالب اقتصادية واجتماعية، تخص أحوالهم المعيشية؟
ما سبق ليس رأيى فقط ولكن وجدته فى تقرير بالصفحة الثالثة من جريدة الدستور فى عددها يوم أمس الأول الثلاثاء الماضى.
فى هذا التقرير قرأت للباحث أحمد عطا قوله: «إذا كان البعض يظن أن إحباط خطة تنظيم الإخوان للتظاهر يوم الجمعة الماضية، هو آخر المطاف، فهو مخطئ، لأن التنظيم لديه خطط ممنهجة لاستهداف مصر بشكل مرحلى».
نفس الأمر كرره بصيغة أخرى سامح عيد، وكذلك منير أديب، الذى قال إن الإخوان سوف يستمرون فى محاولات الحشد، حتى لو بأعداد ضئيلة للوصول إلى الهدف النهائى بإسقاط الدولة.
اللواء مجدى البسيونى مساعد وزير الداخلية السابق قال أيضا إن الجماعة تعتمد منهجا يتمثل فى إنهاك الشرطة عبر تنظيم مظاهرات متفرقة. نفس الفكرة كررها الدكتور خالد عكاشة رئيس المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، الذى قال إن فشل مظاهرات الجمعة الماضى للإخوان لا يعنى أن خطط التنظيم قد انتهت.
ما ورد فى تقرير «الدستور» صحيح إلى حد كبير. ومن المنطقى أن تحاول جماعة الإخوان بكل الطرق قلب الطاولة على الحكومة.
هى تفعل ذلك منذ أن أخرجها الشعب المصرى من الحكم فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وهى ستواصل فعل ذلك، طالما كان ذلك ممكنا بالنسبة لها.
الجماعة لا تخفى ذلك، بل تستخدم كل منصاتها خصوصا الإعلامية من أجل أن تستمر فى المشهد، مدعومة فى ذلك بقوى إقليمية ودولية، تختلف بصورة كاملة مع نظام الحكم الموجود فى مصر.
الجماعة تعرضت لضربات شديدة جدا من أجهزة الأمن أثرت فى عمودها الفقرى، لكنها لم تنته كما يعتقد كثيرون. هى تعودت على الاستمرار فى المحن والشدائد من عام ١٩٥٤ و١٩٦٥ نهاية بـ ٢٠١٣.
الضربات الأمنية تؤلمها جدا، لكن الذى سيؤثر فيها هو وجود نموذج فكرى يعيد تقديم الفكر الإسلامى فى قالب مستنير يتوافق وحقائق العصر الجديد.
المعركة لم تنته، وهى مستمرة كما قال الخبراء، لكن جميعهم يركز الآن على الجانب الأمنى فقط للأسف.
الفكرة الجوهرية التى يراهن عليها الإخوان، كما أشار أكثر من خبير، هى إنهاك الدولة ومؤسساتها، سواء كانت شرطة أو قوات مسلحة أو حكومة، ثم المجتمع بأكمله، ظنا أن ذلك، سيقود إلى إسقاط الحكومة والنظام أو يدفع الشعب ليثور عليهم، وتعود الجماعة للمشهد.
الجماعة فعلت ذلك أكثر من مرة طوال السنوات الماضية، وتتذكر عمليات اغتيال القضاة والضباط، واستهداف محولات وأبراج الكهرباء.
قد يسأل البعض: ولكن الجماعة تفعل ذلك منذ ٢٠١٣ فما هو الجديد؟!
نعم السؤال صحيح، وتفسيره أن الجماعة وصلت إلى قناعة بأنها فشلت بامتياز فى كل محاولاتها، لعدم وجود غطاء شعبى، حتى لو كان محدودا لدعم محاولاتها.. فما الذى استجد؟!
الذى استجد وشجّع الجماعة فى الفترة الأخيرة، هو وجود حالة من الغضب والاستياء بين بعض الفئات والطبقات، بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتلك هى الثغرة التى نفذ منها الإخوان لمحاولة العودة للشارع أو للمشهد السياسى.
وبالتالى فإذا كان الرد على سؤال هل انتهت المعركة أمنيا، هو لا. فما بالك حينما يكون السؤال هو: هل انتهت المعركة اقتصاديا واجتماعيا؟!!
وبالتالى يصبح النقاش الحقيقى هو السؤال الآتى: كيف سيحاول الإخوان الاستفادة من المشكلة الاقتصادية، وما هو المطلوب من الحكومة أن تفعله لمنعهم من ذلك؟!