بقلم - عماد الدين حسين
يوم الخميس الماضى قال الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب ما يلى: «المعارض لا يمكن أن نتهمه أنه خائن للوطن على الإطلاق، هذه عبارات يجب أن تنتهى تماما، يجب أن يكون لدينا روح قبول الرأى الآخر، وأحيى الجميع أغلبية وأقلية، من الذين كانوا موافقين أو غير موافقين على التعديلات الدستورية».
هذا كلام جميل جدا لكن هناك سؤالان: الأول: هل هذا الكلام مطبق فعلا على أرض الواقع، وإذا كانت الإجابة بالنفى، فكيف يمكن ترجمته عمليا، بدلا من تحوله إلى شعار فارغ من مضمونه؟!
من سوء الحظ أن ثقافة التخوين تشهد أزهى عصورها هذه الأيام، وبأشكال مختلفة. من ليس مع الحكومة، يتم استهدافه بكل أشكال الهجوم التى تصل إلى حد التخوين. سيقول البعض ولكن لماذا تعارض مهاجمة وكشف وفضح الذين خانوا الوطن بالفعل، وهل تنفى أن هناك بعض المصريين قد سلموا أنفسهم لكل أعداء الوطن؟!
الإجابة ببساطة هى أننى مع فضح وكشف كل المتورطين فى الإساءة للوطن، الذين لا يفرقون بين معارضة الحكومة والنظام، وبين الوطن نفسه أو حتى الدولة. بعض من هؤلاء موجود خارج مصر، ويشن عليها هجمات تنطبق عليها تهمة الخيانة فعلا، لكن شرط أن يتم ذلك بالقانون وليس حسب المزاج!
لكن أن يتم التوسع فى عدم التفريق بين المعارضين للحكومة والمهاجمين للوطن، فتلك هى المشكلة الكبرى. من يتابع ويراقب بعض وسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة، سيلحظ توسعا غير مسبوق فى وضع غالبية المعارضين فى سلة خيانة الوطن. ونتيجة لهذا التصنيف، فقد انفتحت على بعضهم كل أبواب جهنم. جرى نهش أعراضهم، وبعضهم تم تسريب مكالمات ومشاهد تتعلق بحياته الخاصة، ونتيجة لهذا التطور الخطير فسوف يترسخ لدى كثيرين أن كل من يختلف مع الحكومة سوف يتم فضحه وتجريسه بالحق والباطل. وأن حياته الخاصة عرضة للتجسس والتلصص، ورهينة يتم الضغط بها، لضمان الولاء لسياسات الحكومة. ناهيك بالطبع عن الهجمات العادية المتمثلة فى كوكتيل الاتهامات التقليدية!!
يسىء للحكومة جدا أن يلجأ بعض أنصارها إلى نهش أعراض المعارضين، فقط فى هذه الأيام، لأن بعضهم، تجرأ وأعلن اعتراضه على التعديلات الدستورية.
نتذكر جميعا كيف انقلب الشعب بكامله تقريبا على جماعة الإخوان خلال وجودها فى الحكم، لأن إعلامها وأنصارها ارتكبوا خطأ قاتلا، حينما تعاملوا مع كل معارضيهم باعتبارهم خارج دائرة الدين، ونتذكر حالة السعار التى أصيبت بها الجماعة فى آخر أيام حكمها، وكانت ذروتها خطاب محمد مرسى قبل خلع الجماعة من الحكم بأيام. والسؤال هل نريد أن يكرر البعض هذه المأساة، ويخرج كل معارض من دائرة «الوطنية» مثلما أخرج الإخوان معارضيهم من دائرة الدين؟!
نعود إلى السؤال الثانى الذى بدأنا به وهو: طالما لا توجد ثقافة راسخة لقبول الرأى الآخر المعارض، فكيف يمكن لنا أن نرسخها على أرض الواقع؟!
لكى يحدث ذلك، لابد أن تثق الحكومة وأجهزتها فعلا، لا قولا فقط، فى أن المعارضين يحبون الوطن بالفعل، لكنهم مختلفون فى الطريقة، وحتى لو كانوا على خطأ، فإن الشعب هو الذى سيحكم على الجميع فى النهاية عبر الآليات الديمقراطية مثل الانتخابات.
ترجمة كلام الدكتور على عبدالعال على أرض الواقع تتطلب أن يتمتع المعارضون ــ وهم قلة قليلة جدا ــ بالحد الأدنى من حرية التعبير داخل البرلمان.
وتتطلب أن تحظى كلماتهم وآراؤهم بالحد الأدنى من العرض فى وسائل الإعلام، حتى تصل للرأى العام، وتتطلب ثالثا أن يكون هذا الأمر ليس قاصرا فقط على البرلمان، بل موجودا فى الحياة العامة بأكملها، وليس لمدة دقائق قليلة تحت قبة البرلمان، وأحيانا فى جلسات مغلقة لا تصل إلى الناس.
أتمنى أن يكون ما قاله الدكتور على عبدالعال، هو ما يؤمن به جميع أركان النظام فعلا، والأهم أن يبدأ الجميع فى ترجمته والعمل به، وأن يصدقه الناس، لا أن يسخروا منه، باعتباره غير موجود عمليا!!
عموما الأيام بيننا وهى التى ستبين إذا كانت عبارة رئيس مجلس النواب تعبر عن توجه حقيقى، أم أنها كانت مجرد عبارة عابرة، أو جملة اعتراضية فى سياق مخالف تماما.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع