إذا كانت الولايات المتحدة تؤكد كل لحظة فى الأيام الأخيرة أنها لا تريد حربا مع إيران، ولا ترى احتمال نشوب حرب، فلماذا هذا التصعيد، ولماذا تسريب القصص والروايات ومنها تحريك ١٢٠ ألف جندى امريكى إلى منطقة الشرق الأوسط؟!
المشكلة أن السيناريو الذى نشاهده حتى الآن شديد الركاكة، ومفكك، و«بلدى قوى»، وصانعوه لم يكلفوا أنفسهم، حتى عناء بذل جهد قليل لإحكام الحبكة، من أجل إقناع جمهور المشاهدين بالمسرحية المعروضة!
بالطبع هناك شق موضوعى فى الأمر يتعلق بالصراع الأمريكى الإسرائيلى الخليجى من جهة، وإيران من جهة أخرى، منذ قرر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلغاء الاتفاق الغربى مع إيران فى مايو ٢٠١٨، وفرض عقوبات على إيران، تم تشديدها أوائل الشهر الحالى، وتهدف لمنع إيران من تصدير النفط تماما وإيصاله إلى «الصفر».
ومع بدء تنفيذ هذه العقوبات المشددة، بدأت إيران تهدد بعدم السكوت، وإغلاق مضيق هرمز، بل واستهداف المصالح الأمريكية، ومصالح حلفائها فى المنطقة.
إلى هنا، والأمور تبدو منطقية، وشهدنا مثلها كثيرا فى الماضى، لكن فجأة تم الإعلان عن تعرض أربع سفن تجارية إماراتية قرب ميناء الفجيرة للتخريب، وفى اليوم الثانى، تم الإعلان عن تعرض سفينتين سعوديتين قبالة سواحل الإمارات للتخريب.
فى اليوم الثالث، تبنى الحوثيون فى اليمن الهجوم على محطتين نفطيتين فى محافظتى عفيف والدوادمى فى العمق السعودى بسبع طائرات مسيرة.
فى اليوم الرابع سربت صحيفة النيويورك تايمز أن القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكى باتريك شاناهان، قدم خطة مطورة إلى الرئيس الأمريكى تتضمن إرساله ١٢٠ ألف جندى إلى الشرق الأوسط، فى حال هاجمت إيران قوات أمريكية، أو سرعت العمل لإنتاج أسلحة نووية، وذلك بناء على طلب التيار المتشدد فى الإدارة الأمريكية الذى يقوده مستشار الأمن القومى جون بولتون، الذى سبق وطلب نفس الطلب من إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن لكن الاخير رفض. المهم وبعد أن وصلت رسالة الـ120 ألف جندى إلى من يهمهم الامر فقد نفتها الإدارة الامريكية!!!
فى اليوم الخامس اتهمت مصادر أمريكية إيران وعملاءها وحلفاءها بتخريب السفن الإماراتية والسعودية، لكن طهران ردت واتهمت إسرائيل بذلك، حتى توفر ذريعة للتصعيد.
فى كل الأحوال لن تنشب حرب فى المنطقة غدا أو بعد غد، حتى لو كانت هناك نوايا لذلك. ولكى تصل القوات والمعدات الأمريكية للمنطقة، وتتخذ أوضاعها القتالية، فهى تحتاج شهورا، وعلينا أن نتذكر السيناريو الذى تم قبل غزو أمريكا وبريطانيا للعراق فى مارس ٢٠٠٣.
لكن الملفت للنظر هو التأكيد الأمريكى المستمر على أن واشنطن لا تريد حربا، وآخر من أكد ذلك، كان جاريث ماركيز المتحدث باسم مجلس الأمن القومى، حينما قال إن «الرئيس ترامب كان واضحا بأن بلاده لا تسعى لنزاع عسكرى مع إيران، وهو مستعد لإجراء محادثات مع القيادة الإيرانية، لكن خيار طهران طوال ٤٠ عاما كان اللجوء للعنف».
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا التصعيد الراهن ومن الذى سوف يستفيد منه؟!
إسرائيل هى المستفيد الأكبر. وهناك تقديرات كثيرة تقول إن الولايات المتحدة تقوم بالتصعيد إلى حافة الهاوية ليس من أجل الحرب، التى لا يفضلها ترامب، لكن من أجل جر إيران إلى مائدة تفاوض جديدة، تقدم خلالها ثمنا أكبر لأمريكا وإسرائيل والمنطقة، لا يتضمن المزايا التى حصلت عليها فى الاتفاق الذى وقعته مع الغرب فى عام ٢٠١٥، وألغاه ترامب من طرف واحد العام الماضى.
وظيفة ومهنة ترامب السابقة كسمسار عقارات ترجح التحليل السابق، هو تحليل قد يكون صحيحا، لكنه لا يستبعد إطلاقا تطور الأمور إلى حرب واسعة، أو حتى بالوكالة. خصوصا أنه صار معروفا أن الولايات المتحدة لن تتكلف مليما أو سنتا واحدا فى أى حرب تخوضها فى المنطقة. سيكون صراعا أو حربا مدفوعة مقدما بالكامل، فإذا كان ترامب يستفز ويهين العديد من الدول الكبرى فى العالم أكمله، خصوصا الخليج ويطلب ثمن الحماية، فما بالكم حينما يرسل جنودا وعتادا للمنطقة؟!
فى كل الأحوال على العرب أن يعيدوا قراءة المشهد، وألا يكرروا خطأ سيزيف القاتل فى الاسطورة الإغريقية الشهيرة، حينما كان يصعد إلى أعلى التل المدبب حاملا الصخرة، فتسقط منه ثم يهبط ليصعد بها مرارا وتكرارا، بعد أن أصابته اللعنة الأبدية!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع