بقلم - عماد الدين حسين
لا أعرف من هو صاحب فكرة فقرة الأطفال الصغار فى الاحتفال الذى شهدته العاصمة الإدارية الجديدة مساء أمس الأول الأحد. لكنه فى كل الأحوال يستحق التحية والتقدير، لأن الفقرة كانت مفاجئة وبسيطة وبها قدر كبير من التلقائية، والمهم أنه ينبغى البناء عليها، إذا كنا جادين فى تنشئة أطفال على قيم مختلفة جوهرها أن الدين لله والوطن للجميع حقا وليس قولا فقط.
فى احتفالات يوم الأحد بافتتاح مسجد الفتاح العليم وكنيسة ميلاد المسيح، وهما الأكبر من حيث المساحة والسعة، كانت هناك علامات وأجواء متنوعة على الوحدة الوطنية وابراز صورة حقيقية عن مصر المتسامحة التى تتسع للجميع.
أظن أن كل من لا يريد لمصر خيرا لم يكن سعيدا يوم الاحد الماضى، وهو يرى تعانق الهلال مع الصليب أو وهو يستمع للإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب يخطب أمام كنيسة ميلاد المسيح، ويقول ان الاسلام ضامن شرعا للكنائس، والمسلمون مكلفون بحمايتها، واستمعنا للبابا تواضروس يخطب أمام مسجد الفتاح العليم ويقول إن مصر تسجل صفحة جديدة فى كتاب حضارتها العريقة.
فى هذا اليوم ذاب الجميع فى وطنيتهم، جلسوا معا فى هذه المناسبة، التى سيسجلها التاريخ مثلما سجل قبل مائة عام وحدة الهلال والصليب خلال ثورة ١٩١٩.
نعود إلى ما بدأنا به وأراه كان الأكثر تأثيرا وهو فقرة الأطفال، وخلاصتها لمن لم يشاهدها أنها تخبرنا أن الأطفال يولدون أبرياء وبشر أسوياء، والمناخات والأجواء المختلفة والمتعصبة هى التى تحولهم إلى متطرفين فى هذا الجانب أو ذاك.
كنت موجودا داخل فندق الماسة بالعاصمة الإدارية، وأنا أرى كل الحضور متأثرين ومتفاعلين مع الفقرة، ومصفقين لها بحرارة.
مشكلة الاحتقان الطائفى أو المتاجرين به، أو النافخين فيه، تعود إلى تراكمات عقود مضت، هى ليست فقط مشكلة الحكومة، التى تكون فى كثير من الأحيان أكثر وعيا من بعض الفئات الشعبية المتعصبة، أو الجماعات المتطرفة، أو اللوبيات المستفيدة من استمرار هذه الأجواء.
الاكتشاف المهم الذى قدمته لنا فقرة الأطفال فى احتفالات يوم الأحد الماضى، هى أن المبتدأ والمنتهى فى الأمر هو التعليم الصحيح والسليم والجيد والمستنير.
فى كل الأسئلة البسيطة والبديهية التى تم توجيهها للأطفال الصغار، عن علاقتهم بالدين، كان يتضح لنا أن التعليم هو المؤثر الأول، وربما تأتى بعده الأسرة والاعلام ومجموعة القيم السائدة.
إذا صلح التعليم، صلح كل شىء.
حينما نعلم أولادنا الصغار داخل الفصول المدرسية أنه لا فرق بين مسلم ومسيحى ويهودى، وأن كل شخص يعبد ربه بطريقته، وأن الله هو الذى سوف يحاسبنا يوم القيامة، فسوف يتلاشى المتطرفون إلى حد كبير.
حينما يتوقف المدرسون فى الجانبين عن بث خطابات الكراهية فى عقول التلاميذ، وحينما يتوقفون عن مطالبتهم بعدم تناول أكل زملائهم فى الدين الآخر، أو اللعب معهم أو زيارتهم فى بيوتهم، فسوف تبور معظم تجارة المتطرفين والإرهابيين فى كلا الجانبين.
هذا المناخ المتسامح، وعدم التفرقة على أساس طائفى كان هو السائد حتى بدايات السبعينيات من القرن الماضى. الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، أراد أن يقضى على نفوذ اليسار، فاستعان بالتيار الإسلامى، سواء كانوا إخوانا أو سلفيين، وانفتح على الخليج، الذى دعم التيار السلفى بصورة سافرة، ثم تحالف غالبية العرب مع الولايات المتحدة لمحاربة الاتحاد السوفييتى ودعموا أسامة بن لادن والقاعدة فى أفغانستان وكانت النتيجة اغتيال السادات نفسه، لكن الأخطر هو تمكن المتطرفين من عقول جزء كبير من المجتمع، وهو ما أدى إلى تطرف أيضا على الجانب الآخر، والنتيجة اشغال المسلمين بصراعات عبثية بين السنة والشيعة، خصوصا بعد الثورة الايرانية عام 1979، لا يستفيد منها الا اعداء الامة.
الجهد المطلوب كبير ومهم وسوف يستغرق وقتا، لأن العطب والخلل الذى أصاب المجتمع كان كبيرا، وغياب الوعى كان مستفحلا. لكن الأمل الحقيقى هو فى الأطفال الصغار والشباب الذين لم تتلوث قلوبهم وضمائرهم، وما يزالون ينظرون للناس باعتبارهم بشرا طبيعيين لا فرق بين مسلم ومسيحى إلا بالمعاملة الحسنة.
كل العالم وكل المصريين مسلمين ومسيحيين، بألف مليون خير، وتحية إلى كل جهد يقرب المصريين من بعضهم البعض، ويضرب فى صميم قلب التطرف والتعصب.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع