كثيرون يعتقدون أن عمرو دياب، ولد وفى فمه ملعقة من ذهب، والحقيقة أن قصة صعوده إلى النجومية والقمة، كانت رحلة كفاح حقيقية، ينبغى أن يعرفها كل شاب، حتى يدرك أنه لا يوجد أى نجاح تقريبا إلا بالعمل والصبر والمثابرة والمعافرة والدراسة والعلم والثقافة، مضافا إليهم بالطبع أولا وأخيرا، الموهبة إذا كان الأمر متعلقا بالفنون وسائر مجالات الإبداع.
دياب وبعد حوالى ٥٧ عاما من حياته، صار الأهم والأكبر والأفضل والأول فى مجاله، ألبوماته تحقق أعلى المبيعات، والعديد من أغانيه تم ترجمتها إلى أكثر من تسع لغات، اسمه الكامل عمرو عبدالباسط عبدالعزيز دياب من مواليد ١١ أكتوبر ١٩٦١، فى بورسعيد، لكن أسرته تنحدر أساسا من قرية سنهوت بمنيا القمح شرقية، والده كان يعمل فى شركة قناة السويس، ووالدته من بورسعيد، وغنى لأول مرة وعمره ثلاث سنوات فى الإذاعة المحلية ببورسعيد، وبعد العدوان الإسرائيلى فى يونيه ١٩٦٧، عادت أسرته إلى سنهوت مرة أخرى، وفى عام ١٩٨٣ حصل على البكالوريوس فى الموسيقى العربية من أكاديمية الفنون، ولم يضيع وقتا؛ حيث بدأت محاولاته الغنائية فى نفس العام، بأغنية «الزمن» كلمات هانى زكى وموسيقى هانى شنودة.
حصيلة رحلته الطويلة جوائز متعددة أهمها «وورلد ميوزك أوورد» سبع مرات عن أعلى مبيعات فى الشرق الأوسط، وهو أول مطرب عربى يدخل موسوعة جينز للأرقام القياسية بسبب الجوائز الكثيرة.
حياته الفنية تصل الآن إلى ٣٦ عاما من أول ألبوم أصدره «يا طريق» عام ١٩٨٣، إلى «كل حياتى» العام الماضى، نهاية بآخر أعماله «اتعلموا» قبل أسابيع، وما بين الألبومين تعاون مع معظم نجوم مصر والمنطقة العربية فى الكلمات والألحان والتوزيع.
تميز دياب ليس بسبب عدد الألبومات أو الأغانى، أو حتى العمر الفنى الطويل. المسألة تكمن فى أمور أخرى كثيرة منها النجومية، لكن القياس الحقيقى هو المبيعات والانتشار والتأثير والإقناع.
لكن تقديرى الشخصى أن النقطة المهمة فى مسيرة عمرو دياب إضافة إلى تميزه وموهبته الاستثنائية، هى قدرته على إدارة فنه وحياته، وحسب تعبير الصديق والناقد الكبير طارق الشناوى، فقد كتب تعليقا على صفحتى فى الفيسبوك يقول: «عمرو عقل يدير موهبة»، و٣٠ سنة على القمة تحتاج إلى ذكاء فى التعامل مع المتغيرات».
إدارة الموهبة موضوع كبير جدا وليس اعتباطيا أو عشوائيا، ومن لا يصدق ذلك، عليه النظر بعمق فى الكثير من الظواهر الفنية الراهنة فى مصر.
كان لدينا مواهب كبيرة جدا فى سائر مجالات الإبداع، لكنها ضاعت وتلاشت بسبب عدم القدرة على إدارة موهبتها بذكاء وتعقل.
مواهب أخرى غرقت فى مشاكل بسبب أخطاء كبيرة حينا، وتافهة فى أحيان كثيرة، اليوم صار هذا العامل شديد الأهمية فى كل المجالات خصوصا الإبداعية، سواء تعلق بالفنون أو الرياضة أو الإعلام والأدب.
بعض المبدعين ينتهون مبكرا بسبب الإدمان أو النزوات الجنسية أو الخلافات العائلية، وبعضهم لا يستطيع فهم المتغيرات، أو حتى معرفتها من الأساس.
عمرو دياب ليس ملاكا بالطبع، لكنه يعرف الواقع جيدا ويفهمه قدر الإمكان، ولم يتورط فى مشاكل كبرى أو حتى متوسطة. ويحرص على صورته بقوة. ويدير حياته وسط ملايين المعجبين بصورة تدعو إلى الإعجاب. ولولا وعدى له بعدم النشر، لكنت قد كتبت العديد من المواقف والقصص التى يمكنها أن تمثل دروسا مفيدة لكل الصاعدين فى عالم الإبداع والنجومية.
دياب موهبة استثنائية وصار أحد أهم رموز الطرب فى مصر والمنطقة العربية. علينا أن نحافظ عليه ونشجعه والأهم أن ندعم هذا الفن بكل الطرق الممكنة. الطرب أحد أهم أدوات القوة الناعمة المصرية. علينا ألا نتعامل معه فقط، باعتباره أداة للحشد والتعبئة، بل وسيلة للتسلية والمتعة والتوعية والتثقيف وتعميق الانتماء والارتقاء بالذوق العام.