بقلم - عماد الدين حسين
واحدةٌ من أجمل المعايدات التى تلقيتها قبل أيام بمناسبة السنة الميلادية الجديدة، تقول فيما معناه: «لا توجد سنة جيدة وأخرى سيئة.. نحن من يصنع الأشياء الجيدة والسيئة».
من بين الخرافات الكثيرة المنتشرة فى مجتمعنا العربى منذ سنوات، تلك التى تحاول تعليق فشلنا وخيبتنا على أى شماعة خصوصا الزمن.
تعود معظمنا أن يقول: هذه السنة كانت الأسوأ أو «سنة سودة» وبعضنا «يسوق الهبل على الشيطنة» لوصف شهر معين بأنه سيئ مثل أغسطس مثلا، أو محاولة تصوير يوم الثلاثاء أو الأربعاء بأنه «معروف أنه وحش»!!.طيب من الذى قال إن هذا اليوم جيد أم سيئ؟!.
هل ورد ذلك فى أى كتب سماوية، أو كتب وضعية بشرية، أو أن هناك حوادث كبرى تجعل هذا القول مطابقا للواقع، أو حتى قريبا منه؟!.
الزمن محايد، وسجل أعمالنا هو ناتج ما نفعله نحن فقط، ناتج جهدنا وتفكيرنا وعرقنا ومجمل عملنا، ولا دخل لزمن فيه من بعيد أو قريب.
حينما يؤدى أحدنا عمله بصورة جيدة، يكون يومه أو شهره أو عامه جيدا، والعكس صحيح تماما.أما غير ذلك فهو من قبيل السخافات والخزعبلات والأوهام والأساطير التى تعشعش فى عقول الكثير منا من دون سند من الواقع أو الحقيقة.
وفى هذا المعنى قال الإمام الشافعى شعرا لانزال نردده بصورة دائمة لكن لا نعمل به للأسف:
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب
ولو نطق الزمان لنا هجانا
كلام الإمام الشافعى يسنده الحديث الذى أخرجه البخارى ومسلم، عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: يؤذينى ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار» وفى رواية: «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر». قال البغوى فى بيان معناه: «إن العرب كان من شأنها ذم الدهر وسبه عند النوازل، لأنهم كان ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره، فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد، سبوا فاعلها، فكان مرجع سبها إلى الله عز وجل، إذ هو الفاعل فى الحقيقة للأمور، التى يصفونها فنهوا عن سب الدهر».
هذا الحديث يتفق والعقل والمنطق، لكن للأسف معظمنا لم يعد يعتمد هذا المعيار للحكم على الأمور، ويفضل أن يلقى فشله على أى شماعة، حتى لو كانت الزمن.
قد يسأل البعض: وما الداعى للحديث فى هذا الأمر؟ وهل انتهت كل مشاكلنا حتى نتحدث فى مثل هذا الأمر؟!
تصورى المتواضع أن الأمر مهم جدا ويتصل بثقافة سلبية اتكالية متفشية فى معظم المجتمعات العربية والإسلامية، ومعظمنا لا يريد أن يرى الحقيقة الواضحة وضوح الشمس فى منتصف أغسطس، وهى أن المشكلة فينا نحن، وليست فى الزمن أو غيره.
حينما ندرك أن تخلفنا وعجزنا وفشلنا وجهلنا فى الوطن العربى، هو السبب الذى يجعل الخارج يتدخل فى شئوننا ويقسم دولنا ويفتتها، سوف نكتشف أن العلاج لابد أن يبدأ منا، وليس من الخارج.
لا يمكن أن نراهن على سنة جديدة أو حقبة، أو رؤية ٢٠٣٠، أو 2060 إذا كان تفكيرنا سوف يتواصل بنفس الطريقة. لو حدث ذلك، فسوف تكون نفس النتائج السيئة للأسف الشديد.
تعليمنا فى أسوأ حال فى معظم البلدان العربية، وهذه المصيبة هى التى تتفرع منها كل المصائب، وأخطرها أن عقول الكثير من أولادنا صارت قابلة للاختراق من تنظيمات متطرفة مثل داعش وغيرها. حينما يكون الشاب المحتك بالتكنولوجيا الحديثة، متهيئا للدعشنة فأى حديث عن مستقبل أفضل؟.
نحتاج إلى ثورة داخل أدمغتنا كى ندرك أن المشكلة فينا، وليست فى أى مكان آخر. قبل أن نلوم الغرب والصهيونية، علينا أن نلوم حكوماتنا على سياساتها الفاشلة، وقبل أن نلوم هذه الحكومات، علينا أن نلوم أنفسنا، ونسألها ماذا فعلنا، وماذا قدمنا كى يصبح عامنا سعيدا وجميلا؟!
وعلى الرغم من كل شىء.. فكل عام وأنتم بألف خير، ويا رب حالنا يتغير للأفضل. لكن وكما تعلمون فلن يتغير حالنا بالدعاء فقط، بل لابد أن يقترن ذلك بالعمل والاجتهاد والجد والنية السليمة والصافية!!!!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع