بقلم - عماد الدين حسين
يكفى أن تجلس مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبومازن» أو تستمع إليه هذه الأيام، لتدرك الحال البائسة التى وصل إليها العرب، وكيف أن الفلسطينيين يدفعون الآن فاتورة التراجع العربية.
فى السابعة من مساء الجمعة الماضى، لبيت دعوة من السفارة الفلسطينية بالقاهرة، لمقابلة الرئيس الفلسطينى ضمن مجموعة من الكُتاب والصحفيين المصريين، بأحد المقرات الرئاسية بمصر الجديدة، استمرت قرابة الساعتين. قابلت أبومازن كثيرا داخل مصر، وفى عواصم عربية مختلفة، لكنى لم أره محبطا كما كان ليلة الجمعة.
فى هذه الليلة قال أبومازن الكثير الذى يعكس الأزمة التى تمر بها القضية الفلسطينية. هو بدأ كلامه بالقول: «نمر بظروف صعبة جدا فى كل الجهات، من الأمريكيين والإسرائيليين وحماس». وربما ولولا الدبلوماسية لقال أبومازن أيضا: «والحكومات العربية».
الإعلامية منى سلمان سألته: هل هناك ضغوط عربية عليكم؟!. هو ابتسم بصورة ذات مغزى ثم أجاب: « مش مستعد أحكى، لكن إجابتى هى لا، ولا يستطيع أحد أن يجبرنا على شىء، وأرجوكم، لا تدخلونى فى متاهة مع الحكومات العربية، لا أتدخل فى شئون الدول العربية، ولا أسمح لهم أيضا، تدخل العرب فى السابق هو اللى خرب بيتنا، ما يهمنى من العرب هو الظاهر والله أعلم بالبواطن، ولا أريد أن أعرف ما يجرى تحت الطاولة!!!».
الزميل محمود مسلم سأله عن صفقة القرن، فكانت إجابته واضحة: «مفيش حاجة اسمها صفقة القرن، خلصت وانتهت. صفقة القرن بالنسبة لنا هى القدس واللاجئين والدولة المستقلة، وإذا لم نتفاوض على هذه المطالب الثلاثة، فما الذى يتبقى لنا!!».
أبومازن قال :«ترامب حوله ثلاثة من الأمريكيين الأسوأ من المستوطنين وليس فقط الداعمين لإسرائيل.. وهم جرينبلات وجاريد كوشنر وسفيره فريدمان».
هم يعتقدون أنهم سيلوحون لنا بـ١٢ مليار دولار، للدخول فى صفقة القرن، أولا نحن قلنا منذ زمن إنه لا مفاوضات اقتصادية تسبق السياسية ولا بد أن تسير المفاوضات الثلاث بالتوازى أى الاقتصادية والسياسية والأمنية. ثانيا هم كذابون فحتى المبلغ الذى يتحدثون عنه غير صحيح، بل هم قطعوا عنا مبلغ الـ٨٠٠ مليون دولار، وإسرائيل تحتجز حتى أموال الضرائب والجمارك التى تدخل إلينا.
أبومازن كان قاطعا وواضحا حينما قال: «لن نتحدث مع الأمريكيين فى أى شىء، قبل أن يتراجعوا عن قرار نقل السفارة للقدس». وكشف أنه عاقب مسئولا فلسطينيا كتب على وسائل التواصل الاجتماعى شكرا لمسئول أمريكى كان يمدح الفلسطينيين.
رغم ذلك يقول أبومازن إنه لا يملك الدخول فى حرب عسكرية ضد إسرائيل وخلفها أمريكا، ورأيه أن العرب غير جاهزين أو حتى مستعدين وراغبين فى محاربة إسرائيل، وبالتالى فهو يستبعد قيام الدولة الفلسطينية أو الحل مع إسرائيل خلال العشر أو ١٥ سنة المقبلة.
يضيف لا يعنى ذلك أن نستسلم، لكن ما نملكه هو المقاومة الشعبية المستمرة، وأن نرفض كل الحلول التى لا تلبى حقوقنا المشروعة. هو يؤمن بسلاح المقاومة الشعبية، ويعتقد أنه إذا صار هناك سلام فإن إسرائيل ستتفكك وتنتهى، هذا الأمر يفهمه نتنياهو جيدا، ولذلك فهو لا يريد سلاما بالمرة.
أبومازن كشف عن وجود لجنة من ٣٠ شخصا فلسطينيا مهمتها التواصل مع المجتمع الإسرائيلى، والجديد أن نتنياهو منع دخول رئيس اللجنة، واعتبره خطرا. بل إن رئيس شبيبة الليكود جاء وزار أبومازن فى رام الله، وقال له لقد غيرت رأيى وصرت اتفق معكم بنسبة ٩٠٪. فى اليوم التالى قام حزب الليكود بفصل الشاب!!.
يضيف: «أخوتنا الدروز وعددهم ١٣٠ ألفا تركناهم للإسرائيليين، الأمر الذى جعلهم أعداءنا أكثر من اليهود أحيانا. هم الآن بدأوا يدركون خطورة قانون القومية اليهودى، وعلينا أن نسعى بكل الطرق لجذبهم ناحيتنا».
يؤمن أبومازن كثيرا بسياسة الـ«P.D.S» أو «حركة مقاطعة إسرائيل»، التى تنفذها بمهارة جامعات ومؤسسات عالمية كثيرة ضد الاحتلال الإسرائيلى. وهو يرى أن الرأى العام القوى هو الذى يغير رأى حكوماته، فالأمريكيون انسحبوا من فيتنام ليس بسبب هزيمتهم العسكرية، بل بسبب ضغط الرأى العام، وكذلك فإن سياسة الفصل العنصرى سقطت فى جنوب إفريقيا لعدة أسباب رئيسية منها ضغط الرأى العام الغربى.
كلام أبومازن يبدو منطقيا، لكنه محبط جدا.. والسؤال ما الذى نملكه فى يدنا كعرب وفلسطينيين كى نغير هذه المعادلة، وإذا كان البعض يلوم أبومازن.. فما هو البديل وكيف يتم تنفيذه فى ضوء الواقع الراهن؟!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع