بقلم: عماد الدين حسين
ما هى الحلول والبدائل المتاحة أمام مصر فى حالة أصرت الحكومة الإثيوبية على موقفها المتعنت، ولم تستجب للشواغل المصرية الأساسية بشأن سد النهضة، خصوصا زيادة عدد سنوات ملء خزان السد؟!.
أتصور أن الحكومة المصرية ناقشت الموضوع بصورة تفصيلية، والمنطقى أن يكون لديها حزمة متنوعة من البدائل.
أحاول الاجتهاد فى إلقاء الضوء على هذا الملف الشائك عبر بعض الافكار والمقترحات. وكما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مؤتمر الشباب الأخير، فإنه فى كل الأحوال سيكون هناك قدر من الإضرار لمصر، وسنقبلها بشرط أن تكون فى استطاعتها.
للأسف فإن بعضنا لا يزال يعتقد بوجود حلول فورية للمشكلة، رغم أنها ليست وليدة اليوم أو حتى امس. هى مشكلة مستمرة منذ عقود طويلة، والفارق الوحيد أن إثيوبيا تحركت من طرف واحد فى إبريل ٢٠١١، لاقتناعها أننا غير قادرين على الرد عليها بحسم.
ورغم كل ما جرى فالبدائل لدى مصر كثيرة، ويخطئ من يتصور العكس، شرط أن نحسن طريقة استخدامها.
يرى البعض أن الحكومة المصرية أخطأت، حينما لم تتحرك منذ سنوات ضد مماطلة الحكومة الإثيوبية. لكن هناك وجهة نظر تقول إن هذا الانتظار المكلف جدا، أعفى الحكومة المصرية من أى اتهامات بالتربص بإثيوبيا. حينما أعلنت إثيوبيا نيتها بناء السد، تحركت مصر دوليا لاقناع الدول الكبرى والمؤثرة بخطورة السد، لكن غالبية هذه الدول كانت تقول لمصر: «إثيوبيا دولة نامية ومتعاونة وتعلن دائما أنها لن تضر بمصالحكم فلماذا افتراض سوء النية!».
الآن الصورة تغيرت وعلى مصرية معاودة التحرك الدولى واسع النطاق والاتصال بكل دولة او منظمة اقليمية أو دولية، يمكنها اقناع إثيوبيا بتغيير موقفها المتصلب.
القضية ليست «عركة فى حارة» كما يعتقد بعض البسطاء. هى معركة طويلة ومعقدة، وتحتاج لبناء رأى عام دولى داعم لموقفنا. علينا أن نشن حربا دبلوماسية شاملة. وأن نوظف كل علاقاتنا الدولية، لإقناع العالم بعدالة قضيتنا.
سيقول البعض ايضا: «ولكن إثيوبيا لن تكترث لكل ذلك، وهى تحاول فرض أمر واقع». قد يكون ذلك صحيحا، لكن فى مثل هذه القضايا، فإن بناء الموقف الدولى الداعم مسألة فى غاية الأهمية. قد تكون هناك دول تدعم إثيوبيا سرا أو علنا، لكن مرة أخرى من المهم أن ننقب خلف كل حجر، لتغيير هذه المواقف المناوئة.
بعد أن نفعل ذلك أو بالتوازى معه، علينا أن نقنع إثيوبيا بكل الطرق الممكنة أن تعنتها سيكلفها الكثير.
علينا أن نبذل جهدا مماثلا مع دول حوض النيل، حتى لو كان معظمهم وقع على اتفاقية عنتيبى. نقول لهم نحن مع حقكم فى التنمية، ولكن لن نقبل أى مساس بحقوقنا.
هناك بديل مهم أيضا هو إقناع الدول العربية، أن ترسل رسالة واضحة لإثيوبيا، بأنها ستوقف كل استثماراتها الأساسية لديها، إذا لم تقبل الحل الوسط والعادل للقضية.
للأسف فإن بعض الدول العربية اتخذت مواقف مخجلة فى هذا الصدد. بعضها بحث عن مكاسب استثمارية سريعة فى إثيوبيا، وبعض الشركات العربية عملت مباشرة فى السد. والبعض ربما يكون دعم إثيوبيا لكى «تقرفنا وتنكد علينا»!.
يمكننا أن نقول لبعض هذه الدول: «عليكم أن تختاروا بيننا وبين إثيوبيا، حتى يتم حل المشكلة». اعرف أن ذلك ليس سهلا، ولا يمكن تطبيقه على كل الدول، خصوصا الكبرى، لكن علينا أن نستخدم كل إمكانياتنا لشن هجوم دبلوماسى على أديس أبابا، حتى تعود لصوت العقل.
داخليا على الأجهزة المختلفة التى تتابع هذا الملف، أن تجلس مع كل العقول المصرية ذات الخبرة بإثيوبيا وحوض النيل. أتابع أحيانا مناقشات لمجموعة مغلقة تضم سفراء وخبراء متقاعدين، يقدمون اقتراحات مهمة جدا فى قضايا وطنية مختلفة، منها سد النهضة، أتمنى أن يتم الاستماع لأفكارهم.
أحد البدائل الأخرى إذا استمر التعنت الإثيوبى أن نعلن سحب توقيعنا على إعلان المبادئ الصادر فى مارس ٢٠١٥. نحن وقعنا عليه بحسن نية شديد كى نثبت جديتنا فى بدء صفحة جديدة. لكن إذا هى أصرت على المماطلة، فعلينا أن نلقى الكرة فى وجهها. سيقول البعض: ولكن كل البدائل والاقتراحات السابقة مجرد كلام لا يسمن ولا يغنى من جوع، والحل العملى هو استخدام القوة العسكرية.
لست خبيرا عسكريا أو استراتيجيا، لأفتى فى هذا الموضوع، لكن أراه كلاما فى غاية الخطورة والتهور. والحل أن نترك هذا الكلام للخبراء الفعليين، فهم الأقدر على تقييم أى تحرك. لكن فى كل الأحوال علينا أن نرسل رسالة واضحة لإثيوبيا، بأننا نمد أيدينا لها بكل قوة للتعاون، وإذا كانت الإجابة هى الرفض.. فعليها أن تتحمل العواقب.