بقلم : عماد الدين حسين
أتمنى مخلصا أن يخضع ما حدث من تطورات طوال الأيام الماضية إلى الفحص والتدقيق والمراجعة من قبل أجهزة الدولة المختلفة، حتى يتم استخلاص الدروس والعبر الصحيحة، بحيث نرمم ونصلح ونعالج ما يحتاج إلى الترميم والإصلاح والعلاج.
أتمنى أن تكون هناك جهة أو هيئة أو لجنة أو خلية أزمة تضم خبراء فى كل المجالات ذات الصلة، تدرس ما حدث بهدوء ووضوح وعمق وصراحة، حتى تصل إلى نتائج تشرح وتفسر وتحلل وتجيب على عدة اسئلة اهمها: «ما الذى حدث، ولماذا والأهم كيف يمكن علاجه؟».
لو جاز لى أن اقترح فإن البداية الصحيحة للتعامل مع ما حدث، ألا يتم اعتباره من تدبير وتنفيذ الإخوان والمتآمرين والمتربصين فقط!.
لو حدث ذلك فسوف يكون خطأ كبيرا. لا ينكر إلا أعمى دور الإخوان التخريبى، منذ سقوطهم فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، حتى هذه اللحظة، وبعضهم اعترف وتباهى بالعنف والإرهاب والاغتيالات، بل وتخريب محطات وأبراج الكهرباء، ولا ينكر إلا أعمى تشجيع الإخوان الأخير للتظاهرات، ومحاولاتهم المستميتة لاستغلالها وركوبها بأى صوة من الصور، ولا ينكر الا اعمى المسافة القصيرة جدا التى صارت تفصل بين الاخوان وبقية التنظيمات المتطرفة خصوصا داعش والقاعدة.
الإخوان يحرصون على التظاهر والعنف منذ أول يوم لخروجهم من السلطة، فلماذا فشلوا فى كل مرة، ونجحوا هذه المرة، رغم التقارير المتعددة التى تقول إنهم فى حالة تراجع كامل؟!
كنت أتمنى أن يكون الإخوان فقط هم من حرضوا وشاركوا فى الأحداث الأخيرة. لو كان الأمر كذلك، لاعتبرناه مجرد محاولة أخرى يائسة، للعودة إلى المشهد السياسى، لكن الخبر السيئ أن قطاعات أخرى مختلفة شاركت فى التظاهر.
طبقا لمشاهدات ومؤشرات واعتراف المقبوض عليهم فإنهم ليسوا جميعا من الإخوان. هناك بعض المغرر بهم، وهناك الذين دهسهم قطار الإصلاح الاقتصادى والفئة الأخيرة يفترض أن يتم التوقف عندها كثيرا لدراسة مغزى ما حدث. وفى بيان المستشار حمادة الصاوى النائب العام يوم الخميس الماضى، جاء أن بعض المقبوض عليهم اعترفوا بأنهم شاركوا، بسبب سوء أحوالهم المعيشية.
المهمة الأساسية للجنة تقصى الحقائق المقترحة أن تضطلع على كل ما يتعلق بالمظاهرات الأخيرة والمشاركين فيها خصوصا، الخلفيات الاجتماعية والوظيفية والطبقية والفئات العمرية والمناطق الجغرافية وحجم المشاركين، وأن يتم تحليل ذلك بصورة علمية باردة، حتى يمكن استخلاص النتائج، لتلافى الأسباب وعلاجها.
من شاهد فيديوهات بعض المظاهرات التى خرجت فى الأسبوع الماضى، سوف يكتشف وجود فئات عمرية صغيرة جدا، بعضها لم يكن ولد أثناء ثورة ٢٥ يناير، وبعضها عمره لم يتجاوز السنوات العشر فى نفس التاريخ. وكانت هتافاتهم عفوية أو اقتصادية وليست أيديولوجية كتلك التى يهتف بها الإخوان.
سيقول قائل إن الإخوان تقمصوا دور مواطنين عاديين واستغلوا الأزمة الاقتصادية، قد يكون ذلك صحيحا، والسؤال: اليست هذه الحالة هى ما يعانى منها الكثير من المصريين وبالتالى ستكون قابلة للتكرار؟!
الرجاء الحار لكل من سوف يتصدى لهذه المهمة هى ألا يكون الحل قاصرا فقط على الجانب الأمنى. نقدر تماما دور أجهزة الأمن سواء كانت قوات مسلحة أو شرطة، فى التصدى للمخربين والإرهابيين والمتطرفين، والتضحيات الكبيرة التى قدموها، واخرها ما حدث فى كمين التفاحة ببئر العبد يوم الجمعة الماضى.
دور الأمن مهم جدا فى فض مظاهرة أو مداهمة بؤرة تطرف وإرهاب او الوقاية من اعمال العنف والتخريب، لكن فى مثل هذه المظاهرات التى تخرج من الحوارى والقرى والمناطق الشعبية والحضرية، يستلزم أن يكون هناك دور مكمل ومختلف للسياسة والسياسيين.
بعد أن نشكر رجال الأمن على جهدهم وسهرهم وتعبهم فى حفظ الأمن والاستقرار، ينبغى أن نطالب السياسة والسياسيين بالتقدم لمعالجة بعض أوجه الخلل التى تشجع على الانفلات والفوضى وتقديم بدائل لها، حتى لا يتم استخدام المشكلة الاقتصادية كحجة لكل متظاهر أو غاضب، والأهم ألا يتم استخدامها كسلاح فى يد المتطرفين والإرهابيين.
نحتاج إلى دراسة دقيقة وهادئة لكل ما حدث وليكن الشعار: «رب ضارة نافعة».