هناك أخطاء فادحة وقعت فى تعامل المحليات مع الأمطار والعواصف الشديدة التى تعرضت لها البلاد منتصف الأسبوع الماضى.
وهناك غضب شعبى عارم من التقصير الحكومى، خصوصا فى ظل شيوع قصص كثيرة عن مظاهر الإهمال والتراخى.
لكن الميزة الإيجابية أيضا أن دوائر حكومية كثيرة تحركت بسرعة، وحاولت معالجة الأزمة، لكنها للأسف كانت متأخرة.
لن ندخل فى جدل عقيم حول من هو المتسبب، وهل هى حكومات حسنى مبارك والسادات أم جماعة الإخوان أم الحكومة الحالية؟
فى مثل هذا الجدل سنسمع احاديث مكررة بشأن الإمكانيات والموارد القليلة، وأننا نحتاج لمليارات لجنيهات من أجل تحسين شبكة الصرف الصحى، والبلاعات وتحسين الطرق.
ولكى نكون إيجابيين وننظر للأمام، فعلينا أن نبحث عن خطوات عملية على الأقل، لإشعار المواطنين أن هناك تحركا واهتماما حكوميا بالكارثة وليست مجرد كلمات لجبر الخواطر.
أول خطوة جادة للتعامل مع الأزمة، هو الاعتراف بوجودها، وبالتالى أختلف تماما مع وزير التنمية المحلية اللواء أبوبكر الجندى حينما ينفى أن «مصر لم تغرق فى شبر مية كما يروج الكثيرون».
اقدر اللواء الجندى كثيرا لدوره السابق فى الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء، ودافعت عنه كثيرا، فى زلات اللسان التى وقع فيها أخيرا، خصوصا كلامه عن الصعيد والصعايدة.
لكن الحقيقة يا سيادة اللواء، فإن البلد اصيب بالشلل شبه الكامل فى الايام الاخيرة، كما أن رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى، المهندس محمد رسلان قال نصا: «مصر خالية من شبكات تصريف الأمطار، والموجة الأخيرة شهدت سقوط مياه أكبر من قدرة الشبكات فى عدد من المناطق».
حينما يتم احتجاز آلاف المواطنين على طرق رئيسية مثل الطريق الدائرى وغيره، لمدد وصلت إلى ثمانى ساعات، فكيف نصف هذا الفعل؟!
الأفضل أن نعترف بالأزمة، ونبدأ فى بحث طرق علاجها، بدلا من الخلاف حول: «هل غرقنا فى شبر مية.. أم شبرين؟».
مظاهر الأزمة لا تحتاج إلى جدل.. لن نذكر القرى والاحياء الشعبية، لكن سنتحدث عن المناطق التى يفترض انها راقية، وواجهة للبلد.
أحد الأصدقاء قال لى إن دار الأوبرا تحولت إلى بركة من المياه مساء الأربعاء، وكان مؤسفا أن الجمهور الذى ذهب لمتابعة حفل الموسيقار عمر خيرت اضطر إلى الخوض فى برك من المياه، حتى يصل إلى المسرح الكبير.
العمال كانوا يستخدمون المقشة التقليدية فى كنس وكسح المياه.. المقشة ظهرت فى العديد من الأماكن أيضا ومنها المنصورة وغيرها. حينما تنهار اسقف المولات فى التجمع وزايد، وتتكدس المياه اسفل الكبارى وتدخل المياه اليها، فهناك مشكلة وأزمة وغرق فى نصف شبر مية!!
إذا لدينا أزمة كبيرة علينا أن نقر بها، ولا نحاول تبريرها بل البحث عن طرق فعالة لعلاجها.
أقترح على اللواء الجندى وكل المسئولين عن هذا الأمر، أن يقولوا لنا أولا ما هى إمكانياتهم الفعلية الآن، وما هى احتياجاتهم؟
على هؤلاء أن يخبرونا كم هى تكلفة إنشاء شبكة الصرف الصحى، أو تحسينها، وإذا فكرنا فى عمل شبكة تصريف شاملة فى مصر بأكملها وليس فى القاهرة، فكم تتكلف، وهل يمكن التضحية بأحد بنود الإنفاق الاساسية، مقابل إنشاء هذه الشبكة؟!
السؤال المهم أيضا: ماذا يفعل العاملون فى مرفق المحليات المختصين بالأمر، من أول عمال النظافة الذين تحول بعضهم إلى متسولين يقفون علنا فى الشوارع والإشارات، كل يوم، نهاية ببعض المسئولين الذين قيل إنهم أغلقوا مكاتبهم وهواتفهم فى وجه من حاولوا الاستغاثة بهم يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين؟!
إذا صح هذا الاتهام فلماذا لا يتم محاكمتهم بأقصى سرعة ممكنة حتى يكونوا عبرة لغيرهم؟
فى مثل هذه الجرائم ينبغى أن يكون التعامل بمنطق «ذبح القطة».
لو أن أى رئيس حى عرف أنه ستتم محاكمته، إذا تهاون أو قصر أو تواطأ، فلن يغفل جفنه لثانية واحدة، لكنه إذا أمن العقاب، فالمؤكد أنه سوف يسىء الأدب!
مرة أخرى أتمنى أن تدرك الحكومة وكل أجهزتها، أن حجم الغضب الشعبى الناتج عن التعامل مع قضية الأمطار كان كبيرا ومختلفا.
حينما يتحدث غالبية المواطنين، عن ضعف الجهاز الإدارى وتسيبه وأحيانا تواطئه، فعلى الحكومة أن تقلق.. ما حدث الأسبوع الماضى، يحتاج علاجا سريعا وان تلتقط الحكومة الإشارة، وتشرع فعلا فى محاسبة المقصرين وتبدأ فى البحث عن حل جذرى لهذه المشكلة
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع