بقلم: عماد الدين حسين
منذ سنوات وجميعنا يدعو إلى ضرورة تجديد الخطاب الدينى، وبدء نقاش حقيقى بشأنه، لكن المفارقة المدهشة أنه فى اللحظة التى حدث فيها نموذج عملى لذلك، انقسمنا جميعا، ونسينا ما نادينا به وراح كل منا يتخندق حول أفكاره وآرائه.
النقاش الذى جرى بين الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ورئيس جامعة القاهرة وأستاذ الفلسفة الإسلامية الدكتور محمد عثمان الخشت خلال المؤتمر العالمى للأزهر لتجديد الفكر الإسلامى الذى انعقد الأسبوع قبل الماضى بالقاهرة، كان فى رأيى نقاشا علميا مهما جدا ــ بغض النظر عن كل التحفظات هنا وهناك ــ لكن المفارقة أن معظم التعليقات والجدل بشأنه، ركزت على قضايا فرعية وهامشية ولم تهتم بجوهر النقاش الاصلى.
الرئيس عبدالفتاح السيسى يدعو إلى تجديد الخطاب الدينى منذ سنوات وكذلك العديد من الرؤساء والملوك العرب والمسلمين ومعهم كبار المثقفين. وهناك اتهامات كثيرة للعديد من الهيئات الدينية، المنوط بها إجراء هذا التجديد، بأنها لم تتحرك، ولم تفعل شيئا، لكن الأزهر، يقول إنه يمارس دوره، وأنه عقد العديد من المؤتمرات التى شهدت أوراقا بحثية مهمة فى هذا الصدد.
كان المنطق أن نرحب جميعا بالمؤتمر الأخير والنقاشات التى جرت فيه، لأنه مثال عملى لما ننادى به من تجديد الفكر الإسلامى. وفى اللحظة التى حدث فيها ذلك، انقسمنا جميعا حول الفروع وليس حول الأصول. واهتم الكثيرون بـ«اللقطة» العابرة، وتجاهلوا الاوراق البحثية المهمة التى تم تقديمها خلال المؤتمر.
للأسف الشديد معظمنا يتحدث عن أفكار عامة مبهمة من دون تفكير أو تمحيص.
لو نسينا للحظة واحدة الاستقطاب والتخندق والتمترس، فسوف نكتشف أن ما حدث كان تطورا مهما، ونقاشا على الهواء بين رأين مهمين فى مسألة التجديد، يعبران عما هو موجود من تباين واختلاف فى العالمين العربى والاسلامى بشأن قضية التراث والتجديد.
لو أن مجتمعاتنا صحية وعفية، لكان النقاش الحقيقى انصرف إلى ما طرحه كل من الخشت والطيب، لكن النقاش ذهب فى معظمه إلى شخصى الرجلين.
راجعوا ما كتب وقيل فى وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، وسوف تجدون معظمه انحصر فى انطباع ورأى الناس فى الطيب والخشت، وليس فيما قالاه من افكار.
المؤيدون للإمام رفضوا كلام الخشت، من دون أن يطالعوه بدقة، لأنهم يرون فى الخشت شخصا مؤيدا للحكومة فقط، والعكس كان صحيحا، فالمؤيدون للخشت رفضوا كلام الإمام الأكبر، باعتباره من وجهة نظرهم ليس متحمسا بما فيه الكفاية لتجديد الخطاب الدينى.
ما حدث من نقاش او جدل او مناظرة غير مرتبة، كان فرصة طيبة جدا لبدء نقاش علمى حقيقى، والبناء عليه بشأن القضايا التى طرحت، لكن للأسف فإن «المجتمع المريض» تجاهل ذلك وانصرف إلى الحرب الشخصية المحتدمة، وانشغل بمن فاز ومن خسر. ومن سوء الحظ أن من فعلوا ذلك، لم يكونوا جمهور القطيع والكتائب الإلكترونية فقط، ولكن العديد من رموز النخبة فى الجانبين الذين يصدعون رءوسنا جميعا كل يوم بمقولات معلبة، لكن حينما حدث ذلك، تحولوا إلى «مشجعى ترسو فى الدرجة الثالثة»!.
نحن أهدرنا فرصة عظيمة لبدء حوار مجتمعى حقيقى، خصوصا أن المناظرة متاحة للجميع على اليوتيوب، وكان المفروض أن نبنى على ما حدث، وأن نستقطب آخرين ــ خصوصا الشباب ــ للاستكمال والمناقشة التفصيلية فى النقاط محل الخلاف، علنا نصل إلى حلول أو أرضية مشتركة، أو حتى نحصر نقاط الخلاف لبدء مناقشتها مرة أخرى. بحيث يستفيد المجتمع بأكمله، بدلا من تحويل الأمر إلى حرب قبلية عصيبة، وليس نقاشا علميا بين متخصصين وخبراء.
خسرنا فرصة عظيمة للتحرك للأمام، والمعنى الوحيد لما حدث بين الخشت والطيب، أن المجتمع بصفة عامة، ونخبه بصفة خاصة، ليس مهيأ حتى الآن لبدء هذا الحوار، طالما أن الغالبية تفكر بهذا المنهج الاستقطابى الحاد، وكأن ما حدث كان نقاشا بين جمهورى الزمالك والأهلى فى مدرجات الدرجة الثالثة، وليس حول موضوع شديد التخصص والتعقيد، ويتعلق بتراث دينى عمره 1441 عاما هجريا!!