بقلم: عماد الدين حسين
غالبية المصريين جلسوا وتسمروا أمام أجهزة التليفزيون من الساعة العاشرة إلى الثانية عشرة من مساء يوم الجمعة قبل الماضية، لمشاهدة مباراة فريقهم القومى ضد زيمبابوى فى افتتاح بطولة الأمم الإفريقية باستاد القاهرة.
فى هذا اليوم، كان حفل افتتاح البطولة والمباراة ضد زيمبابوى هو الشغل الشاغل لغالبية المصريين. فى هذه الليلة شهدت الشوط الأول من المباراة فى منزل حماتى بميدان عابدين. الأسرة بأكملها على اختلاف انتماءاتها وتوجهاتها جلست أمام الشاشة وهللت لهدف محمود حسن تريزيجيه.
نزلت بين الشوطين عائدا لمنزلى. مررت بالعديد من شوارع منطقة وسط البلد. الشوارع شبه خالية والغالبية إما فى بيوتها وإما فى المقاهى لمشاهدة المباراة.
كل ما سبق يبدو طبيعيا ولا جديد فيه. لكن ما أقصده من وراء هذا الكلام أن اعتقاد البعض بأن الجمهور أو الرأى العام يمكن أن يظل محتفظا بالتركيز فى قضية واحدة أمر شبه مستحيل هذه الأيام.
سيسأل البعض: ماذا تقصد بهذا الكلام؟!.
أذكركم بأن جزءا من الرأى العام اهتم قبل افتتاح البطولة بالعديد من الأحداث، ومنها وفاة محمد مرسى يوم الإثنين الماضى خلال احدى جلسات محاكمته. البعض كان يعتقد أن هذا الحدث سيظل هو المسيطر على «التايم لاين» فى الفيس بوك أو يظل «هاشتاجا» فى تويتر، أى يحتفظ باهتمامات الناس لفترة طويلة. لكن ذلك لم يحدث، وحينما جاء يوم الجمعة، كان موضوع المباراة هو المهيمن تماما. بعض من أعرفهم مثلا، كانوا ينشرون صورهم وصور أولادهم وهم داخل ستاد القاهرة، ورأيهم فى الإجراءات الجديدة لدخول الاستاد، وتأخر دخولهم والزحام الشديد، وكذلك رأيهم فى حفل الافتتاح، وأخيرا تقييمهم الفنى والشخصى للمباراة ونجومها وتوقعاتهم للبطولة.
انقلب التايم لاين تماما، وصارت المباراة والبطولة هى «التريند»، وأظن أن ملايين المشاهدين توقفوا عن متابعة أى برامج تليفزيونية أو رقمية سواء كانت فى فضائيات داخلية أو خارجية، ركزوا فقط فى المباراة والبطولة، بل أعرف أن البعض غير جدول مواعيده لكى تتناسب مع مباريات البطولة خصوصا لقاءات المنتخب الوطنى.
سيسأل البعض: وهل تريد أن تقارن بين مباراة فى كرة القدم ووفاة محمد مرسى؟!.. الإجابة بوضوح هى: لا، فالموضوعان مختلفان تماما، لكن ما أقصده هو أن اعتقاد البعض بقدرة أى حدث على الاستمرار فى صدارة الأحداث فى ظل الثورة الإعلامية الرقمية التى نشهدها، صار أقرب إلى الخيال. وسائل الإعلام أقرب إلى الوحش الجائع الذى يريد التهام فريسة جديدة كل يوم. لا يفضل «الأكل البايت». يريد أحداثا متجددة كل يوم ليبيع بضاعة مختلفة كل يوم للمستهلكين أو الجمهور.
طبعا سيظل المصريون مهتمين ومركزين تماما مع بطولة إفريقيا. خصوصا حينما يلعب المنتخب، وبالأخص حينما يفوز، ولن يتوقفوا عن ذلك، إلا إذا وقع حدث كبير مفاجئ. وحينما تنتهى البطولة، سوف يبحثون عن حدث جديد سواء استمر يوما أو يومين مثل وفاة محمد مرسى، أو ٢٨ يوما مثل بطولة أمم إفريقيا. بل ان الاهتمام نفسه بالبطولة قل إلى حد ما، وذهب إلى موضوع تحرش مهاجم الفريق عمرو وردة، واستبعاده ثم عودته مرة أخرى، وانقسام الناس مرة ثانية بشأن طريقة معالجة هذا الموضوع!.
جمهور هذه الأيام متعجل وملول وذو نفس قصير، وذائقته تغيرت فى كل شىء، خصوصا مطالعة الأخبار وكيفية قراءتها والتفاعل معها.
أتحدث بطبيعة الحال عن الجمهور العام الواسع والكبير، وليس عن المجموعات العقائدية الضيقة. وأعرف طبعا أن هناك قضايا أساسية وأصلية مستمرة وسوف تستمر إلى أن يتم حلها، مثل القصية الفلسطينية، التطرف والإرهاب، أو الفقر والاستبداد، لكن نحن اليوم نناقش هنا الاهتمامات السريعة والمتقلبة للناس. معرفة وفهم سلوك المشاهدين أو مستهلكى الأخبار أمر شديد الأهمية، حتى يمكن تعميم رسائل إعلامية تناسب هذه التغيرات الدراماتيكية.