بقلم - عماد الدين حسين
يراهن كثيرون على نجاح وزير النقل الجديد المهندس كامل الوزير فى مهمته لتطوير منظومة النقل عموما، والسكة الحديد خصوصا، حتى يكون نموذجا يمكن تعميمه فى قطاعات أخرى تعشعش فيها عناكب الإهمال والتكلس والفساد.
لكن السؤال الجوهرى الذى ينبغى أن نسأله هو: ما هى فرص نجاح كامل الوزير.. هل يكفى حماسه وإخلاصه ودأبه وانضباطه فقط، أم أن المشكلات فى هذا المرفق أكبر من كل ذلك، وتحتاج لمنظومة أكبر من التنسيق وكذلك الموارد الضخمة؟!.
أطرح هذا السؤال لأننى لاحظت أن الكثير من الكتابات بعد حادث جرار محطة مصر، ركزت فقط على الدور الفردى، للوزير، وتجاهلت الفوضى العارمة التى تضرب مرفق النقل منذ سنوات طويلة.
أعذر الذين ركزوا على الدور الفردى للوزير، خصوصا أنه يمتلك مميزات شخصية كثيرة.. أعرف الرجل منذ سنوات، حينما كان رئيسا لأركان الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وكذلك حينما طلب منه الرئيس السيسى فى أغسطس ٢٠١٤، أن يتم حفر قناة السويس الجديدة فى سنة واحدة. هو كان حاضرا فى معظم افتتاح أو تدشين المشروعات الكبرى التى كان يحضرها رئيس الجمهورية، الذى يثق فيه تماما، وهو ما ظهر فى الطريقة التى تعامل بها الرئيس معه، فى الندوة التثقيفية الاخيرة. وكذلك قول الوزير للرئيس عبارة «الأخ والصديق والقدوة». ومن الواضح أن الوزير كان طوال عمله النموذج الذى يفضله الرئيس فى نوعية المسئولين التنفيذيين، أى ذلك الشخص الذى ينجز ما يتعهد به، خصوصا فيما يتعلق بعامل الوقت المقترن بالانضباط.
إذا لا خلاف على مهارات كامل الوزير فيما يتعلق بالانضباط العسكرى والسرعة بل والتواصل مع الناس فى الكثير من مناطق الأزمات، مثلما حصل فى حالات نزع الملكية للمشروعات العامة من سوهاج إلى مطروح مرورا بالمحاولات مع سكان جزيرة الوراق. لكن السؤال الذى يفترض أن نعيد تكراره هو: هل تكفى هذه المهارات فقط لكى تجعل من هيئة السكة الحديد مثالا للانضباط والتميز والجودة، كما قال الوزير خلال لقائه الأول مع قادة الهيئة يوم الثلاثاء قبل الماضى!
ظنى الشخصى أن مهارات الوزير، ستكون عاملا مهما جدا فى إحداث هزة داخل الهيئة، لكنها تحتاج إلى دعم كبير من الدولة وسائر الوزارات والهيئات وبقية المجتمع.
تحتاج الهيئة إلى صرامة وانضباط كامل الوزير العسكرى خصوصا فيما يتعلق بمعالجة مشكلة المخدرات، وكذلك التسيب الإدارى الذى يضرب غالبية المؤسسات الحكومية. لو أن الوزير نجح فى هذا الأمر، فسيكون ذلك مدخلا مهما لمعالجة الكثير من المشكلات.
خلال لقاء الوزير الأول مع قيادات الهيئة اعترض على حديث نائب رئيس الهيئة الخاص بالعجز فى قطع الغيار، وقال له: «مش عاوز تصدير مشاكل إنت دورك تحل المشكلات مش تصدرها، لو هتصدر المشكلات قولى هتبقى معانا أم لا؟!». بعدها بأيام تم إبعاد هذا المسئول.
هذا الرد من الوزير يمكن النظر إليه من زاوية: الأول أن الكثير من المسئولين يتحجج بنقص الإمكانيات حتى لا يعمل، ويبرر كل إهمال أو تقصير، هذا الأمر ليس فى السكة الحديد فقط، ولكنه فى كل الهيئات والمؤسسات العامة، وأيضا الخاصة.
لكن من زاوية ثانية فإن الإمكانيات والموارد ضرورية جدا لمعالجة بعض أوجه الخلل، ولا يمكن تعويضها بالحماس والنية الطيبة فقط. على سبيل المثال الجرار أو العربة المتهالكة يحتاج مالا لتجديده، وإلا تسبب فى حوادث كثيرة، والدليل على ذلك أن الرئيس السيسى قال قبل شهور إننا نحتاج لعشرات المليارات غير المتوفرة لتطوير السكة الحديد.
النقطة الثانية أن هناك مشاكل تحتاج لحلول شاملة وليس فقط النوايا الطيبة مثل محاربة الإهمال والمخدرات وإعادة الاعتبار للقيم الإيجابية، إضافة بالطبع إلى ضرورة توفير موارد مالية كافية لحل المشكلات المؤجلة.
خلاصة القول إن المهارة الفردية مهمة جدا، والفرد يلعب دورا مهما، خصوصا فى البلدان النامية مثل مصر، لكن هذه المهارة أن لم يتم دعمها من جميع مؤسسات الدولة أولا، ودعمها بالموارد والإمكانيات، ثانيا، فلن تحقق الإنجاز المطلوب.
نريد أن تستغل كفاءة ومهارة الوزير وسجله الحافل السابق، فى تحقيق نهضة حقيقية داخل قطاع النقل، خصوصا السكة الحديد، حتى يمكن تعميم هذا النجاح فى قطاعات أخرى. وكل التمنيات الطيبة لكامل الوزير فى مهمته الصعبة.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع