بقلم - عماد الدين حسين
هل يمكن لأى جهة أو دولة أو مؤسسة أو جهاز أن تفكر فى تكرار قضية قتل جمال خاشقجى بالطريقة التى يقال إنها تمت بها، داخل القنصلية السعودية فى إسطنبول يوم ٢ أكتوبر الجارى؟!.
القتل سوف يستمر طالما كانت هناك حياة. يحدث ذلك منذ خروج أبينا آدم من الجنة، وبدايات الحياة، حينما قتل قابيل أخاه هابيل، وعجز حتى أن يوارى جثمانه، وسوف يستمر ذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
لكن نظريًا يفترض أن هناك العديد من الدروس التى ينبغى تعلمها مما حدث فى هذه القضية.
كتبت هنا وكتب غيرى عن الجوانب السياسية والإعلامية للقضية، وأدنت الجريمة بصورة لا تحتمل اللبس.
واليوم أتحدث عن الجانب التكنولوجى للحادث، وما هى الدروس المستفادة منه تقنيًا؟.
فى عصر انفجار ثورة التكنولوجيا والاتصالات والمعلومات صار صعبا جدا ــ إن لم يكن مستحيلا ــ إخفاء أى شىء. تقريبا كل ما نفعله صار مكشوفا، وعلى الهواء مباشرة.
أو قد يمكن إخفاؤه لفترة قليلة إلى أن تقوم جهة بنشر تلك المعلومات أو حجبها أو «تكميرها» إلى أن يحين وقت استخدامها!!.
الكاميرات والأجهزة الكبيرة منها والصغيرة، صارت قادرة على رصد «دبة النملة» حرفيا.
الكاميرات هى التى رصدت دخول جمال خاشقجى مقر القنصلية فى إسطنبول، وهى التى رصدت كل تحركاته فى المبنى الذى يقيم فيه.
قبل ساعات من توجهه إلى القنصلية رصدت خروجه من المبنى فجرا، لمقابلة خطيبته ثم عودته برفقتها مرة أخرى.
طبقا للرواية السعودية الأخيرة فإن أحد أعضاء الوفد السعودى الذى حقق مع خاشقجى، واشتبك معه وقتله، قام بارتداء ملابسه والخروج من الباب الخلفى للقنصلية للإيحاء بأنه خرج من القنصلية.. هذه اللقطة سجلتها الكاميرات التركية، ويبدو واضحا أن الشخصين مختلفان، رغم أن الملابس واحدة، الأمر الذى جعل الإعلام التركى يسخر من هذه المحاولة البدائية جدا، حيث إن الكاميرات لم ترصد فقط اختلاف الشخصين، بل إن رجل الأمن السعودى كان يلبس «كوتش أبيض» فى حين أن خاشقجى دخل بحذاء أسود!!.
الكاميرات أيضا هى التى رصدت الفريق السعودى المكون من ١٥ شخصا، ومتى دخل ومتى خرج، سواء من المطارات أو من القنصلية. كل ذلك ذلك مثبت صوتا وصورة وبالثانية.
وضمن هذه البيانات المرصودة كانت هناك روايات دقيقة عن التحركات التفصيلية لأعضاء الوفد منذ خروجهم من المملكة وحتى خروجهم من تركيا.
المتغير الآخر المهم ــ والذى لا تريد أن تركز عليه الأجهزة التركية المختصة ــ هو التنصت والتجسس التقليدى الذى تمارسه الأجهزة الأمنية على البعثات الدبلوماسية المختلفة.
هناك تخمينات وتقديرات بأن الأجهزة التركية حصلت على معلومات قيمة عبر هذه الوسائل، لكنها لا تستطيع أن تستخدمها حتى لا تسوء علاقتها بالمملكة.
التقديرات تقول إن هذه الأجهزة سربت حكاية «ساعة الآيفون» الملفقة، حتى تجد ستارا للكشف عن المعلومات الدقيقة التى حصلت عليها من خلال التجسس. بل إن هذه التقديرات تزعم أيضا أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية، قد تمكنت من رصد واعتراض التخطيط السعودى للحادث قبل وقوعه، وبالتالى توريط الحكومة السعودية فى هذه الدوامة التى تتسع وتتعمق يوما بعد يوم بطريقة تتيح لواشنطن ابتزاز الرياض.
إذا كان الأفراد يدركون أنهم صاروا عرايا ومكشوفين تماما أمام وسائل الاتصال الحديثة وأجهزة الأمن المختلفة، ألا يفترض أن تكون الحكومات أيضا على وعى بهذا الأمر، وبالتالى فالسؤال الجوهرى هو: كيف افترض الفريق السعودى أن هذه الفعلة الشنيعة ستمر من دون رصد؟!.
خلاصة القول، فالمفترض أن أى حكومة أو مؤسسة أو جهة عامة أو خاصة، ستفكر مليار مرة قبل أن تقدم على تنفيذ جرائم مماثلة بنفس الطريقة التى تمت بها داخل القنصلية السعودية بإسطنبول.
والسؤال: هل سيحدث ذلك؟ والإجابة صعبة جدا، فكل ما يحدث فى معظم منطقتنا العربية يشير إلى أن الحماقة بلا حدود!!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع