غالبية العرب يعتقد أن آبى أحمد رئيس وزراء إثيوبيا مسلم، والحقيقة أنه ليس كذلك. والده كان مسلما، لكن آبى تحول إلى المذهب البروتستانتى.
الحقيقة الثانية والمهمة أن اختيار الحزب الحاكم أو «الجهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية» لآبى أحمد رئيسا للوزراء، كان تطورا نوعيا معاكسا ومخالفا لقواعد اللعبة السياسية الجارية هناك منذ عشرات السنين.
ومنذ سقوط منجستو هيلى ماريام الرئيس الإثيوبى الذى كان متحالفا مع الاتحاد السوفييتى فى مايو 1991 ونفيه إلى زيمبابوى، فإن النخبة الحاكمة كانت تأتى من قومية التيجراى التى تمثل الأقلية فى إثيوبيا، ويطلق عليهم سكان الهضاب العليا، أو «الهاى لاندرز» فى حين أن قومية الأرومو، أو ما يطلق عليهم سكان المناطق السفلية أو «اللو لاندرز». هؤلاء ينحدر منهم آبى أحمد، فى حين أن سلفه هيلى ماريام ديسالين كان أول رئيس وزراء يأتى من الجنوب من قومية «الواليتى».
يعتقد الأرومو أنهم الملاك الحقيقيون للعاصمة أديس أبابا لأن معظم المنشآت الجديدة مقامة ومشيدة على أرض تعود تاريخيا إليهم منذ قديم الزمان.
هذا الخلاف على الأرض تسبب فى تفجر مظاهرات واضطرابات كثيرة فى الشهور الاخيرة، قادت فى النهاية إلى إقالة ديسالين، واختيار آبى أحمد على حساب نائب رئيس الوزراء من قومية التيجراى الذى كان ينافسه.
معظم المعلومات السابقة سمعتها من دبلوماسى عربى مرموق، خدم فى أديس أبابا لمدة خمس سنوات، وما يزال يتردد عليها من حين إلى آخر. طبقا للتقديرات فهناك 80 قومية (شعب) ومجموعة عرقية وثقافية في مقدمتهم الأورومو او "الغالا" ويشكلون اكثر من 40% من الشعب، ومعظمهم من المسلمين ،ويقولون ان نسبتهم الفعلية تزيد عن 60%، ثم هناك نحو 27% من قومية الأمهرا، و7% من قومية التيجراى، ورغم ذلك يسيطرون على غالبية المناصب المهمة فى الدولة سواء فى السياسة أو القوات المسلحة . لكن الحزب الحاكم يضم أعضاء بارزين من غالبية القوميات بطبيعة الحال.
الحقيقة الثالثة هى ان آبى أحمد فقد شقيقه فى الحرب التى اندلعت مع اريتريا لسنوات، وربما كان ذلك سببا فى الخطوة التاريخية التى اتخذها أحمد بالتقارب مع اريتريا وزيارتها وإعادة العلاقات معها قبل اسابيع، واستقبال رئيسها أسياسى أفورقى فى أديس أبابا، بل وتهدئة كل الخلافات فى القرن الإفريقى سواء مع جيبوتى أو الصومال.
لكن السؤال الجوهرى المطروح منذ صعود آبى أحمد حتى هذه اللحظة هو: إلى أى مدى سيتمكن من تطبيق منهجه وتحقيق أهدافه؟!
هذا السؤال صعب، وفى تقدير الكثير من الخبراء الذين سألتهم، ومنهم هذا الدبلوماسى العربى، فإن أحمد يبدو متعجلا ومندفعا لتحقيق أهدافه، فى حين أن القوى المناوئة له كثيرة. إثيوبيا مصنع للقوميات، والخلافات والتباينات والمشكلات هناك كثيرة وقد تنفجر فى أى لحظة. وعندما يأتى شخص مثل أحمد ويشتبك مع قوى كثيرة متنفذة، فالمخاطر ستكون بلا حدود.
أولى هذه المخاطر هى الرهان على أسياسى أفورقى الذى يعتبر عدوا لكثير من الاثيوبيين، بعد حرب حدودية استمرت عامين من مايو 1998 إلى مايو 2000 وأدت إلى مقتل أكثر من خمسين الف شخص، واصابة وتشريد مئات الآلاف من ابناء البلدين.
ثانى المخاطر أنه اشتبك مع القوات المسلحة، حينما قال إن «الهيئة الهندسية» فيها فشلت تماما فى انجاز ما تم الاتفاق عليه فى بناء سد النهضة، وجاء مقتل مدير السد سيمجنيو بيكيلى اواخر شهو يوليو الماضى، ليزيد المشكلات، خصوصا أن آبى شكك فى قدرة بلاده على إنجاز السد، رغم أن البعض يرى أن هذا التشكيك هدفه إصلاح الأخطاء حتى يتم استكمال السد، الذى ينظر إليه كثير من الإثيوبيين باعتباره «مشروعا قوميا جامعا»!. وفى هذا الصدد فقد جرت قبل ذلك محاولة لاغتيال آبى نفسه فى وسط اديس ابابا فى 23 يونيه الماضى.
ثالث المخاطر أن هناك ما يشبه الصراع الإقليمى من قبل قوى مختلفة على القرن الإفريقى، خصوصا فيما يتعلق بالحصول على المواد الخام والسيطرة على الموانى، وأخير الدور الخليجى البارز أخيرا، وكان لافتا للنظر أن المصالحة الإثيوبية الاريترية الجيبوتية قد تمت فى جدة السعودية، وبدعم كامل من الإمارات المتحدة.
ما يحدث فى إثيوبيا والقرن الإفريقى، تطور مهم وكبير، وعلينا أن نراقبه بكل دقة، وأن نضمن أن نكون فاعلين ومؤثرين وألا نكتفى بالحديث عن الماضى والتاريخ.
العالم يتغير واللاعبون الجدد يتزايدون. وعلينا أن نتأكد أن هذه التغيرات لن تتسبب فى إحداث ضرر لمصالحنا العليا.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع