توقيت القاهرة المحلي 06:23:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيف نقنع الشعب الإثيوبى بأننا لا نعاديه؟!

  مصر اليوم -

كيف نقنع الشعب الإثيوبى بأننا لا نعاديه

بقلم: عماد الدين حسين

هناك مشكلة سوء فهم كبيرة بيننا وبين الشعب الإثيوبى، وللأسف فإن الحكومات الإثيوبية المتعاقبة تعمل على تغذية وإدامة هذه المشكلة لأسباب لم تعد خافية.
جوهر المشكلة هو اعتقاد قطاعات كبيرة من الشعب الإثيوبى بأن مصر تهيمن على نهر النيل، مما ادى لحالة الفقر والتخلف والجهل التى يعيشها الإثيوبيون لفترات طويلة.
ومن سوء الحظ ان الحكومات ووسائل الإعلام الإثيوبية تمكنت من زرع أوهام كثيرة فى عقول مواطنيها، منها مثلا أن كل مصرى يمتلك فيللا وحمام سباحة مملوءا من مياه النيل، المحروم منها الإثيوبيون، وأن غالبية المصريين لديهم شقق ووحدات سكنية على كورنيش النيل بطول البلاد وعرضها!!
زرت إثيوبيا مرتين فى يونيو ٢٠١٢، ويناير ٢٠١٥، وقابلت العديد من المواطنين العاديين. وكانت المفاجأة أن السائق الذى كان يلازمنى فى تحركاتى ــ وهو شاب مسلم ــ لديه يقين راسخ أن سياسات مصر الاستعمارية هى السبب فى فقر بلاده، وأن المصريين ينظرون نظرة فوقية واستعلائية إلى الإثيوبيين، وأن السينما والدراما المصرية يعكسان هذه الصورة منذ عقود طويلة!!
ظللت أناقشه طويلا، بأن هذه نظرة خاطئة، وأن مصر نفسها كانت ضحية الاستعمار البريطانى لمدة سبعين عاما، وأنها هى التى ساعدت العديد من الدول الإفريقية على نيل استقلالها من الاستعمار الغربى. الشاب كان متعاطفا إلى حد ما مع سياسات الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لكن كان يرى ان مصر فى المجمل تريد الهيمنة على بلاده وتحرمها من التنمية.
شرحت له مطولا أن هناك أكثر من ٩٠٠ مليار متر مكعب من مياه الأمطار، تهطل فى المتوسط على الهضبة الإثيوبية، لا يصل منها إلى مصر إلا ٥٥ مليار متر مكعب، وقلت له إن الطبيعة حرمت مصر من الأمطار، وبالتالى فمياه النيل هى مصدر الحياة الوحيد للمصريين، الذين لا يعارضون أى مشروعات تنموية للإثيوبيين، طالما أنها لا تضر بحقهم فى الحياة.
لم يقتنع الشاب كثيرا بكلامى، وأتذكر أن الصورة أو اللافتة أو الشعار الذى كان يتكرر فى غالبية الميادين الإثيوبية هى لمواطنين إثيوبيين يضعون أيديهم معا فى لقطة تعكس التحدى، وخلفهم سد الألفية أو السد العظيم، الذى تحول اسمه لاحقا إلى سد النهضة.
الحكومات الإثيوبية نجحت فى إقناع مواطنيها بأن السد هو مشروعهم القومى الذى سوف ينتشلهم من الفقر. وأقنعتهم ايضا أن السياسات المصرية على مدى عقود وربما قرون كانت السبب فى تأليب الرأى العام الإقليمى والدولى ضدهم، ما منعهم من تحقيق هذه التنمية، وبالتالى وصل إليهم يقين بأن خروجهم من كل مشاكلهم أو معظمها يبدأ بتحدى الهيمنة المصرية.
هذه الصورة تتجسد فى العديد من وسائل الإعلام الإثيوبية، وتدعمها العديد من الدوائر الحكومية. نعلم تماما أن هناك مشاكل عرقية كثيرة فى إثيوبيا، بسبب صراع القوميات، خصوصا بين أقلية التيجراى التى كانت تحتكر السلطة لسنوات طويلة، وأغلبية الأورومو التى كانت محرومة من المناصب والثروة، إضافة إلى قوميات أخرى تشكل الفسيفساء الإثيوبية الهشة عرقيا واجتماعيا.
آبى أحمد نجح فى تحقيق انقلاب سياسى اجتماعى بصعوده ممثلا للأورومو، ونجح أيضا فى إخماد العديد من المشاكل المتفجرة التى كانت تهدد بلاده خصوصا صراعها الدامى مع إريتريا، والصومال وجيبوتى، كما لعب دورا مهما فى دعم التحولات الأخيرة فى السودان. لكن الأوضاع لم تستقر له ولجماعته حتى الآن بصورة كاملة، وهناك العديد من القلاقل التى تعصف بهذا التوازن الهش.
وبالتالى فإن أحد التفسيرات المهمة للانسحاب الإثيوبى الفج من مفاوضات سد النهضة فى واشنطن ــ إضافة إلى محاولة فرض الأمر الواقع على مصر ــ هو تفجير معركة سياسية وإعلامية مع مصر لضمان الحشد الشعبى خلف الحكومة، باعتبارها تخوض صراعا قوميا مع قوة إقليمية كبرى هى مصر.
وبالنظر إلى السلوك الإثيوبى الأخير، علينا أن نتوقع الاستمرار فى التصعيد الإعلامى ضدنا فى الفترة المقبلة، لضمان حشد المواطنين خلف الحكومة استعدادا للانتخابات المقبلة فى مايو المقبل.
السؤال: ما هو المطلوب منا، لمواجهة هذا السلوك الإثيوبى، وكيف نصل للشعب الإثيوبى ونقنعه بأننا لا نعاديه، ولا نمانع فى تحقيقه للتنمية، وتوليد الكهرباء، وأن كل ما نريده هو حقنا فى المياه، لكى نستمر على قيد الحياة. وكيف نقنع الحكومة الإثيوبية، بأن سلوكها العدوانى قد ينجح لفترة، لكنه لا يمكن أن يستمر طوال الوقت، وأن الصبر المصرى سوف ينتهى عند لحظة معينة طال الزمن أم قصر؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف نقنع الشعب الإثيوبى بأننا لا نعاديه كيف نقنع الشعب الإثيوبى بأننا لا نعاديه



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon