بقلم-عماد الدين حسين
كثير من سكان العالم وحكوماته، كانت تشكو وتئن من سياسات وتوجهات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وكانت تنتظر اليوم الذى سيخرج فيه من البيت الأبيض بعد نحو عامين، لكن كل هؤلاء استيقظوا صباح أمس الأول الاثنين على ظهور ترامب جديد فى البرازيل الدولة الأكبر فى أمريكا اللاتينية.
البرازيليون انتخبوا يوم الأحد الماضى اليمينى المتطرف جابير بولسونارو رئيسا لرابع أكبر ديمقراطية فى العالم، متفوقا على مرشح اليسار فرناندو حداد الذى خاض الانتخابات بديلا عن الرئيس الأسبق إيناسيو لولا دى سيلفا مؤسس حزب العمال اليسارى والمسجون حاليا على ذمة قضايا فساد.
قبل ايام قليلة انتفض العديد من الرموز السياسية والثقافية والفكرية والفنية فى البرازيل وأمريكا اللاتينية، للتحذير من انتخابه.
والسؤال لماذا خشى كثيرون انتخاب بولسونارو؟
لأنه ببساطة يجاهر بأفكاره العنصرية ويزدرى النظام الديمقراطى، ويجاهر بتمنيه عودة الديكتاتورية العسكرية المباشرة، علما انه ضابط جيش سابق.
يوم الأربعاء الماضى «٢٤ أكتوبر» نشرت «البايس» الإسبانية المعروفة استطلاعا مع نخبة من المفكرين والمثقفين فى أمريكا اللاتينية، عن رأيهم فيما لو تم انتخاب بولسونارو، فماذا كانت النتيجة؟!
سرخيو راميريز الكاتب النيكاراجوى والحائز على جائزة سرفانتس، يرى أن صعود هذا المتطرف هو ثمرة طبيعية للخيبة من اليسار الذى غرق فى الفساد، وقضى على أحلام كثيرة، كما أنه وليد الديماجوجية الجديدة التى ترفع لواء الدين والنظام والعائلة، وتتعهد بتسليم القيادة للامنيين للقضاء على الجريمة.
الكاتبة المكسيكية الما جيزموبريتو تعتقد أن فوز بولسونارو سيكون أخطر ما شهدته أمريكا اللاتينية فى العقود الأخيرة، ليس فقط بسبب ما ينشره من حقه فى المجتمع، أو حتى زيادة الفقراء بعد تطبيق برنامجه الاقتصادى، بل لأنه تعهد بفتح غابة الأمازون أمام الاستغلال التجارى مما سيشكل خطرا على صحة الكرة الأرضية بأكملها.
الكاتب البرازيلى من أصل لبنانى ميلتون حاطوم، يقول إن فوز بولسونارو سيكون انتكاسة خطيرة للبلاد لأنه يحتقر الديمقراطية ويهدد بوأدها.
المفكر الأرجنتينى أدولفوبيريز أسكيفيل الحائز على جائزة نوبل للسلام يقول: «ليس صححيا أن العالم فقد قدرته على الاندهاش، بل فقد قدرته على مواجهة الأحداث التى تتجاوزنا بشجاعة وثبات، لا أخشى صراخ المتطرفين، بقدر ما أخاف من صمت الطيبين. ان الذين أدخلوا لولا دى سيلفا السجن، وتآمروا على ديلما روسيف، ومنعوها من الترشح يتأسفون اليوم، لأنهم فتحوا هذه الثغرة الكبيرة أمام الإرهاب».
أما المخرج البرازيلى والترساليس، فيرى أن انتخاب بولسونارو سيدفع البلاد لنفق من الظلام ويقضى على الجهود المبذولة منذ سنوات لحماية البيئة، ويحرم الطبقات الفقيرة من المساعدات الاجتماعية والتربوية. هو يرى ان الرئيس الجديد أقرب إلى نظيره الفلبينى دوترتى، منه إلى الرئيس الامريكى، وبرنامجه الاقتصادى الذى وضعه اتباع مدرسة شيكاغو شديدة الليبرالية، لم يطبق إلا فى عهد النظم الديكتاتورية مثل تشيلى فى عهد بينوشيه».
الروائى المكسيكى خوان فيلورو يعتقد أن بولسونارو يشكل خطرا كبيرا على أمريكا اللاتينية والعالم بأسره، لأنه عنصرى وفاشى واستطاع ان يستقطب الخائبين والخائفين، وأولئك الذن لا يتردد فى نبذهم مثل السود والفقراء، إنه عار علينا جميعا وخطر يهدد بالانتشار فى شبه القارة، ولا ننسى أن هتلر وصل إلى السلطة عن طريق الديمقراطية.
المفكر الأمريكى المعروف نعوم تشومسكى، يخشى أن يكون وصوله للسلطة بداية سلسلة من التحولات السياسية العميقة فى أمريكا اللاتينية التى تمر بمرحلة معقدة جدا اقتصاديا واجتماعيا.
الروائية الأرجنتينية كلاوديا بينيرو، ترى أنه يجسد خطورة التحالف الذى يتشكل منذ مطلع القرن بين اليمين والكنيسة الإنجيلية فى أمريكا اللاتينية.
الممثلة البرازيلية اليسيا براغا تقول إن ترامب سيبدو جمهوريا معتدلا مقارنة مع بولسونارو خصوصا بعد تعهد بالانسحاب من اتفاقية باريس حول المناخ ومن الأمم المتحدة.
الصحفى المكسيكى خورخى راموس يرى «أن هناك خيبة أمل كبيرة فى القارة من الديمقراطية التى لم تطعم الجائعين، ولم تحم الناس من الإجرام، ولم تقض على الفوارق الشاسعة بين الأغنياء والفقراء.
المفكر التشيلى خورخى أدواردس يقول: «إن البرازيل عودتنا دائما على المفاجآت الانتخابية، لكنها دولة ديمقراطية يحكمها القانون، وعلينا التريث والصبر حتى تنقشع الغمامة».
هذه آراء مجموعة من نخبة مهمة ومعروفة فى أمريكا اللاتينية، لكن السؤال الذى يفترض أن يشغلنا جميعا هو: هل بولسونارو أو حتى ترامب هم مجرد أشخاص، هبطوا علينا من السماء، أم أبناء طبيعيون لظروف وبيئة عامة تجتاج العالم أجمع؟!
نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع